الداو... والقادم أعظم!
فجأة... غضب الجميع وراحوا يتبادلون الاتهامات وكأنهم توقعوا أن يصدر حكم غير الذي صدر من المحكمة الدولية بتغريم الكويت ما جاء في الشرط الجزائي لعقدها مع شركة "الداو"، مع أننا نعلم ومنذ أكثر من عامين أن هذا الحكم قادم لا محالة، وأننا سنقوم بدفع مليارين ومئة وستين مليون دولار من أموال الشعب ثمناً للعناد السياسي لعدد من الرؤوس اليابسة التي لم تترك لنا بصيصاً من أمل في إصلاح حاضرنا ومستقبلنا إلا وقضت عليه! ومحدثكم ليس متخصصاً في الشؤون النفطية والكيماوية حتى يجزم- كما يفعل بعض النواب الذين يفهمون في كل شيء- بصحة أو خطأ الشراكة مع هذه الشركة العملاقة، لكنني أؤمن بأن أهل الاختصاص الذين أيدوا وباركوا هذه الشراكة أدرى من النواب الذين ضغطوا على الحكومة السابقة- رغم علمهم بالشرط الجزائي- من أجل إلغاء العقد، وكالوا الاتهامات يميناً وشمالاً لكل الأطراف الساعية لإتمام الصفقة، ما جعل الحكومة ورئيسها في ذلك الوقت يؤثران السلامة على المصلحة العامة، بعد أن ارتجفت الركب خوفاً من أصحاب الأصوات العالية، وهي أغرب حكومة في تاريخ البشرية، حكومة لا تستطيع الدفاع عن مشاريعها في وجه قلة من النواب يقفون في وجهها وليس بيدهم دليل مادي حقيقي على شبهة التنفيع والفساد التي يثيرونها!
والنتيجة كانت خسارتنا لأرباح مليارية سنوية تلقفها الإخوة في السعودية بتوقيعهم السريع مع شركة "الداو" التي حققت عائدات قياسية في عام 2011 فقط بلغت 60 مليار دولار، هذه الأرباح السنوية تفوق بأضعاف مضاعفة "الغرامة" التي يتباكى عليها الجميع، ويحمل بعضهم بعضاً مسؤوليتها، وقد قدرها بعض المختصين بعشرة مليارات دولار و"عليكم الحساب"!وكل "الأبرياء" يبحثون اليوم عن حل لهذه الورطة، وأعني بها أي المليارين دولار الذين سيدفعهما الشعب مقابل الهواء، ويبدو لي أن هؤلاء يعيشون وهماً عظيماً، فالعقد شريعة المتعاقدين وبند الشرط الجزائي واضح يتحمله أي طرف من الطرفين المتعاقدين، وقد قررنا إلغاءه ونحن في كامل عنادنا السياسي... وسذاجتنا القانونية! والحل الحقيقي هو في التقليل من الخسائر المستقبلية، لأن موضوع "الداو" انتهى، ويكمن في أن يتوقف النواب عن حشر أنوفهم في كل مشروع تنموي قادم، وأن يخففوا رقابتهم "المبالغ فيها" التي ستجعلنا جامدين في موقعنا إلى الأبد دون أن نتقدم خطوة إلى الأمام، ولو كنت وزيراً تحت رقابة هؤلاء النواب لترددت ألف مرة قبل توقيع أي مشروع خوفاً من اتهامي وفريق عمل الوزارة بشتى الاتهامات بدءاً من "الحرمنة" وصولاً إلى... دعم المشروع النووي الإيراني!والحل أيضاً في أن يعرف الشعب أن له دوراً رئيسياً في كل هذا الخلل الحاصل، فسوء الاختيار القائم على قدرة المرشح في كشف "التجاوزات والسرقات"، جعل كل نائب يلوح بورقة لا يدري أحد مدى صدقها أو زيفها، أو إن كانت دليل براءة تحولت بعد مزجها بصراخ النائب إلى دليل إدانة!نعم، الرقابة مطلوبة من النائب، لكن بالشكل المعقول وليس الهيستيري الذي نراه اليوم، والذي جعلنا نشك في جميع مسؤولي الدولة صغيرهم وكبيرهم، وجعلنا نصدق ألا شريفاً في البلد سوى النائب الذي يلوح بورقته، وهو أمر لا تحدده ورقة نائب بل تحدده أحكام القضاء، وفي رأيي أن الرقابة النيابية يجب أن تتمركز على الأرقام والإحصاءات لبرنامج عمل الحكومة وسرعة إنجازه، أما توجيه الاتهامات المتعلقة بالذمم فيجب أن يكون قبل كل شيء مسنوداً بحكم قضائي أو بتقرير ديوان المحاسبة على أقل تقدير.ولن تكون غرامة "الداو" آخر المطاف فالقادم أعظم، مادام بعض النواب هوايتهم التدخل في عمل الحكومة وعرقلة المشاريع قبل بدئها، فالمفترض ترك الحكومة تنجز مشاريعها ومن ثم محاسبتها على أي قصور فيها، أما الضغط لإلغاء العقود قبل تنفيذها دون أدنى معرفة وتخصص بها وتكليف الدولة المليارات نتاج ذلك، فهو "لقافة" كلفتنا وستكلفنا الكثير!