في عدد الاثنين الموافق 18 يونيو الماضي، وتحت عنوان «قطع العلاقات مع الوطن»، انتقدنا في هذه الزاوية ظاهرة «مدير أعمال النجم» الذي يتجاوز دوره ويتقمص شخصية النجم ويتحدث بلسانه، وربما يستعير غروره، وبجهل شديد يُقيم الحواجز والسدود بين «النجم» وجمهوره بعد ما تصل به الجرأة، أو الصفاقة، إلى حد أن يُنحي «النجم» جانباً ويتحدث للصحافة والإعلام باسمه.

Ad

في السياق نفسه، أشرنا إلى إيناس بكر المتحدثة الإعلامية في مصر، باسم النجم العالمي عمر الشريف التي تختلط الأمور لديها، وتلتبس لدرجة أن أحداً لا يعرف إن كان ما يسمعه أو يقرأه من تصريحات في الصحف والمحطات تعكس أفكار عمر الشريف نفسه أم تعبر عن وجهة نظرها الشخصية، لكنها اختارت أن تضعها على لسانه .

وقتها توقفنا عند التصريح الخطير الذي أوردته إيناس على لسان الشريف، وأكدت من خلاله أنه يتابع من فرنسا تطورات الأوضاع الراهنة في مصر، وأنه يراقب عن كثب نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، بين د. محمد مرسي ممثل جماعة «الإخوان المسلمين»، والفريق أحمد شفيق ممثل «النظام القديم»، وأنه هدد، كما قالت إيناس، بقطع علاقته ومصر بشكل نهائي في حال فوز

د. محمد مرسي، بينما سيعود إلى مصر في حال فوز أحمد شفيق. بالطبع لم يكن بمقدورنا الصمت على تلك التصريحات، التي وصفناها بأنها غير مسؤولة، لكننا استغربنا صدورها عن نجم عاش عمره في الغرب «المتحضر»، وأقام ردحاً من الزمن في فرنسا عاصمة «النور»؛ حيث التعددية واحترام الحريات وقبول الآخر، ومن ثم كان عليه أن ينحاز إلى التجربة الديمقراطية التي يعيشها الوطن، بدلاً من أن يُصادر ويُهدد ويتوعد ويُظهر للكافة أنه يُخفي في طياته «ديكتاتوراً» كبيراً يضيق ذرعاً بالرأي الآخر، ولا يرى بديلاً عن الفكر الذي يؤمن به.

كتبنا هذا وسجلناه قبل أن يباغتنا النجم الكبير عمر الشريف يوم (الخميس) الموافق 12 يوليو الجاري بتصريح لجريدة «الوطن» اليومية المصرية ينفي فيه كل ما تردد عن عدم رغبته في العودة إلى مصر، في أعقاب إعلان فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئيس، ووصف ما قيل على لسانه بإنه «كلام فارغ»، وأضاف:{مصر بيتي الكبير، ولا أستطيع الابتعاد عنها، فعلى رغم تعدد سفرياتي وطول الإقامة بالخارج، فإنني أحب مصر بجنون، وهي وطن النشأة والصبا والنجومية». واختتم بقوله: «أندهش من الشائعات التي تطاردني، فأنا لم أهاجم التيار الإسلامي، وأنا واحد من الناس التي تعرف قيمة الديمقراطية، وكنت سعيداً بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، وتوقعت فوز الدكتور محمد مرسي نظراً إلى شعبية «الإخوان المسلمين»، وأتمنى أن يستثمر التيار الإسلامي الفرصة ويحاول تصحيح الأوضاع الخاطئة التي كشفت عنها الثورة».

هذا بالضبط ما قاله عمر الشريف، الذي بدا شديد الثقة بنفسه، ومؤمناً قوياً بحرية الإبداع وقدرة المبدعين على صونها وحمايتها، عندما استبعد تماماً وجود مخاوف لديه من سيطرة التيار الديني على الوسط الفني، واستغرب ما قيل عن رعب المبدعين في المرحلة الراهنة، وقال: «نحن في زمن الحريات، وأي إنسان يستطيع الدفاع عن نفسه وإقناع الآخر بوجهة نظره، بشرط أن نختلف من دون صدام يدفع بنا إلى الانقسام». وتمنى على زملائه الفنانين أن يعملوا، وألا يلتفتوا إلى مخاوف لا أساس لها.

وجهة نظر كافية لتبرئة الشريف من اتهامات «الدكتاتورية» و{التطرف»، وتؤكد أنه استفاد كثيراً من حياته في الدول المتحضرة، واكتسب الكثير من أفكارها «الليبرالية»، واعترافها بـ «التعددية»، لكنه يتحمل مسؤولية التصريحات التي أدلت بها المتحدثة الإعلامية باسمه، وأساءت إلى صورته كثيراً، وعليه إذا أراد ألا تتكرر الواقعة، وتصبح سبباً في عواقب وخيمة، أن يبادر بتصويب العلاقة بينهما، بحيث توضع الأمور في نصابها الصحيح، ولا يتم الخلط بين «المتحدث بلسان» و{مدير الأعمال»، ولا يتعرض «الأصل» للسحق بعبارات غير مسؤولة تصدر عن «الصورة»، فالعلاقة ينبغي أن تتحول إلى التزام متبادل، وحدود لا يمكن تخطيها، حتى لو أدى الأمر إلى توثيق ما تم الاتفاق عليه في عقود قانونية، كما يحدث في دول العالم المتحضرة التي لا يمكن أن يتحول فيها «اللبيس» إلى «دوبلير» للنجم.