في نظر محمد الكويت خذلته، و في نظري الكويتيون هم من خذلوه، أصحاب الشركات التي تستقدم هذه العمالة هي من تشوه سمعة الكويت عالميا، وهي من تجعل الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان تنظر إلينا كدولة تسيء إلى هؤلاء العمال، ونحن ككويتيين تخذلنا وتحرجنا تصرفات تجار الإقامات وكبار التجار «النصابين» حين يتفننون بالمتاجرة بهؤلاء البسطاء للتكسب منهم.

Ad

كنت أتجاذب أطراف الحديث مع العامل الذي يعبئ سيارتي بالوقود في إحدى المحطات، فسألت محمد كما قال لي اسمه عن راتبه وحياته في الكويت؟ وذلك لأني لمحت الإرهاق على وجهه، فأجابني بأن راتبه 60 ديناراً و15 ديناراً مخصصة للغذاء، فصمت قليلاً وقال لي إنه سعيد لأنه سيعود إلى الهند بعد شهر رمضان!

استغربت وسألته: كيف ستؤمن معيشتك هناك ومستقبلك الوظيفي مجهول، بينما في الكويت رغم انخفاض الراتب فإن لك دخلا شهريا مضمونا؟ فقال إنه مجبر، إذ يتم تبديله، وقال إنه لا يشعر بالندم تجاه ذلك، لكنه تنهّد قليلاً وقال جملة آلمتني كثيرا ككويتية: "كنت أظن أن الكويت بلد جميل وأن الكويتيين رائعون، لكنني صدمت بأن الشركة التي أحضرتني لم تف ببنود العقد".

ووأضاف أن أهمها بند الإجازة كل جمعة، حيث إنه يعمل 12 ساعة يومياً دون يوم راحة، واليوم الوحيد الذي يحصل فيه على يوم الراحة يجب أن يعمل لمدة 24 ساعة متواصلة ليرجع بعدها إلى سكنه شبه إنسان يترنح تعباً لا يفكر سوى أن يخلد للنوم.

فقد خذله الكويتيون الذين كما وصفهم محمد يبدون أغنياء ويقودون سيارات فارهة، ووقت الدفع يهربون، لم يكن يتوقع أن هذا البلد "الحلم" مزق تلك الصورة الجميلة في مخيلته، وهو راضٍ أن يرجع مفلسا إلى بلده على أن يعيش في بلد أجاد استغلاله والتعامل معه كآلة لا تشكو ولا تتعب!!

في نظره الكويت خذلته، و في نظري الكويتيون هم من خذلوه، أصحاب الشركات التي تستقدم هذه العمالة هي من تشوه سمعة الكويت عالميا، وهي من تجعل الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان تنظر إلينا كدولة تسيء إلى هؤلاء العمال، ونحن ككويتيين تخذلنا وتحرجنا تصرفات تجار الإقامات وكبار التجار "النصابين" حين يتفننون بالمتاجرة بهؤلاء البسطاء للتكسب منهم.

والمشكلة ما زالت مستمرة رغم التحذيرات التي تلقتها الكويت، ورغم محاولات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إصدار قرارات تحمي حق العمال، ورغم كل هذه الخطوات الخجولة فإن المشكلة لم تحل ولم تنتهِ، أراها في وجوه عامل النظافة الذي بات يمتهن "النصب" أحيانا لسد ديونه، والتي جعلت عامل الكافتيريا بالوزارات يعمل خياطاً وسباكاً وزراعاً بعد عمله في الوزارة، لتجده في أوقات النهار يختلس دقائق من النوم ليتذوق جسده طعم الراحة، ولتجعله يقاوم ويسدد ديونه في بلده.

لولا بذرة الخير في نفوس الكثير من الكويتيين التي جعلتهم يوزعون الإفطار لهم من طبخ منازلهم، ويتصدقون عليهم على الدوام، لباتت غابة يمشي فيها هؤلاء المضطهدون يمارسون فيها شتى أنواع الجرائم انتقاما من بلد الأحلام بعد أن صدمهم الواقع!

قفلة:

قامت السيدة بيبي الأيوب بمجهود شخصي جبار يعتمد على تخصيص وجبات من طبخ المنزل، ويوزع للعمالة الآسيوية المحتاجة، وأطلقت على حملتها اسم "ارسم البسمة"، وتفاعل معها العديد من الكويتيين والكويتيات، وذلك يدل على أن الرحمة تختفي من قلوب لتسكن في قلوب أخرى ترحم الآخر!