لا قيمة للعدد خارج صناديق الاقتراع
انشغل قطاع واسع من البلد في سجال وملاسنات بلا قيمة وتافهة حول الأعداد التي لبّت دعوة الأغلبية المبطلة لتجمع ساحة الإرادة الاثنين الماضي، إذ بالغ المؤيدون للدعوة في العدد حتى أوصلوه إلى عشرة آلاف شخص، بينما قدّرته وكالات الأنباء العالمية وجهات مستقلة بين 1500 و3000 آلاف مشارك، وتفاهة ذلك السجال تنبع من كون العدد في التجمعات العامة والمظاهرات لا يشكل فرقاً في الدول الديمقراطية المؤسساتية إلا في صناديق الاقتراع التي تشكل مجالسها البرلمانية، وبغير ذلك فهي لا تعدو كونها أداة للضغط على متخذ القرار سواء كان وزيراً أو نائباً أو في أي موقع آخر ذي صفة تنفيذية أو تشريعية.
ولذلك فإن الأعداد الغفيرة التي خرجت في واشنطن عند اتخاذ الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن قرار الحرب على صدام حسين لتحرير العراق لم تغير شيئاً، ولم يخرج الجمهوريون من البيت الأبيض حتى أُسقط مرشحهم عبر صناديق الاقتراع في نوفمبر 2008، وكذلك ملايين الفرنسيين الذين تظاهروا ضد رفع سن التقاعد انتظروا عدة سنوات حتى جاء موعد الانتخابات فأسقطوا ساركوزي وغيروا الأغلبية في البرلمان، هكذا تفعل شعوب الدول الديمقراطية العريقة والمستقرة والمكرسة لديهم ثقافة دولة المؤسسات المدنية، أما حجج البعض الذين يقيسون أو يسقطون وضعي مصر وتونس على الأحداث الكويتية ويقارنون معهما فهم يزورون الحقائق، لأن البلدين كانا يعانيان غياب تمثيل الأمة عبر تزوير الانتخابات النيابية هناك، وهو أمر غير قابل للمقارنة بالكويت التي لا يشكك أحد في نزاهة انتخاباتها وصحة التمثيل البرلماني والحقيقي للناخبين فيها.ولهذا فإن الكثير من الكويتيين يتساءلون عن هدف هذه التجمعات الحقيقي، فلا يمكن لمؤمن بالدستور ودولة المؤسسات المدنية أن يعترض على اللجوء للقضاء لبت قضية عدالة التمثيل النيابي ضمن صلاحيات الحكومة صاحبة الاختصاص الأصيل في هذا الشأن، ولا يمكن كذلك أن يطالب سياسي أو ناشط أمين بإلغاء حكم دستوري يقضي بعودة برلمان وفقاً لمواد الدستور والقوانين، وفي جميع الحالات إن كان هناك من يسعى إلى ذلك فهو فوضوي يعبث بالبلد ومقدراته، لأن سقوط كلمة القضاء، وجعل قرار السلطة التنفيذية (الحكومة) في الشارع نهاية للدولة وتفجير للمجتمع، فالشارع له أن يمارس التعبير عن رأيه وممارسة أدوات الضغط و"اللوبي" بالوسائل السلمية المتاحة حتى لو كان من يقوم بذلك بضع عشرات أو مئات الألوف دون أن يكون لذلك فارق إلا في صندوق الاقتراع الذي يشكل الأغلبية والأقلية البرلمانية، لذا فإن ممارسة الجدل حول عدد حضور الإرادة للضغط على الحكم، أو لترويع مؤسسات الدولة وبخاصة السلطة القضائية هي ثقافة جاهلية تعود إلى مراحل ما قبل الدولة الحديثة، وتمثل تهديداً جدياً للسلم الأهلي وسلامة كيان الدولة يجب ألا نستمر فيه أو نجاري من يقوم به.