هناك تتجمد كل عوامل الطبيعة وتتصدع جميع النظريات العلمية، وتتضاءل، بل تكاد تنعدم كل ملاحم التضحية التي سطرتها البشرية على مر العصور، ويقف "الإباء" صاغراً مطأطئاً رأسه منصتاً لنداء ابن الزهراء "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا شقاء وبرما" فتلفظ "الكرامة" أنفاسها الأخيرة خجلاً، وهي راكعة عند عتبات كربلاء الحسين عليه السلام، بعد أن تتنفس كلمات الجواهري:

Ad

تعاليت من مفزع للحتوف

وبورك قبرك من مفزع

تلوذ الدهور فمن سجدٍ

على جانبيه ومن ركّع

شممت ثراك فهب النسيم

نسيم الكرامة من بلقع

وعفرت خدي بحيث استراح

خد تفرّى ولم يضرع

هناك على أبواب جامعة الملحمة الحسينية الخالدة، يجلس عظماء التاريخ حائرين، ليتعلموا معادلة "انتصار الدم على السيف".  

فاليوم تحديداً، في عاشوراء الحسين، تتدفق الأنهار من ملايين البشر إلى كربلاء لترتوي من عطش الحسين سبط الرسول، وتردد مع نزار:

يالائـمي حـب الحـسين أجــــــنـنا

واجــتاح أوديــة الضـــمائر واشرأبْ

وأفـاق دنـيـاً طـأطـأت لـولاتــــها

فــرقى لـذاك ونـال عــالية الـرتــب

ففي كربلاء الحسين يُصنع تاريخ الإنسانية من جديد، ومن على ضفاف نهر العطاء الحسيني تدوّي "تركت الخلق طُرًا في هواك" ليشهد الكون معاني العشق الحقيقي لله الواحد الأحد، ومن دم منحر سيد الشهداء تصرخ "هيهات منّا الذلة" مدوية لتهز عروش الظالمين على مر العصور.

ومن نور تلك القبة الشامخة تُصنع أنوار التضحية والإباء ونكران الذات، لتهدم أركان الظلم والظُلمة وتشق دروب الحرية ملبية لنداء أبي الأحرار.

وفي كربلاء الحسين، يُنحر سبط الرسول، ويسيل دمه الطاهر، لتغتسل به الأكوان، وتضخ دماء الحياة الكريمة في جسد العصور والدهور حتى قيام الساعة.

فسلام على جسدٍ احتضن الموت لنحيا،

وسلام على روحٍ ظمأت لنرتوي،

وسلام على حرمٍ تحرم النفوس منه إلى الكبرياء.