تشكك أعمال الشغب المنتشرة في أنحاء الشرق الأوسط بمدى جدوى المحاولات التي قام بها الرئيس أوباما للتواصل مع العالم العربي وبادعاءات إدارته التي تشدد على أنها هزمت "القاعدة"، وقد ساهم الرئيس شخصياً في زيادة الوضع سوءاً.
على الرغم من تلقي الإدارة تحذيراً من احتمال حصول أعمال شغب في مصر، تردد الرئيس في ما يجب فعله قبل أن يضغط على الرئيس المصري محمد مرسي لحماية الملكيات الأميركية وحياة الأميركيين، وكأن ذلك الخطأ لم يكن كافياً! ارتكب الرئيس خطأً إضافياً حين اعتبر أن مخاوف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من الأسلحة النووية الإيرانية هي مجرد "ضجة" عابرة.مع فائق الاحترام للرئيس مرسي، يبدو أن الإدارة الأميركية تعامله وكأنه سياسي معتدل وليس إسلامياً متشدداً كما يدعي بنفسه. صحيح أن جماعة "الإخوان المسلمين" (كان مرسي ينتمي إليها حتى انتخابه وهو يتابع دعمها) هي أكثر احتراماً من السلفيين المتطرفين الذين هاجموا السفارات الأميركية في أنحاء الشرق الأوسط، لكن لا يعني ذلك أن جماعة "الإخوان" محترمة وفق المعايير الغربية. لكن أوضح مرسي أنه لا يريد أن يحكم عليه أحد وفق المعايير الغربية، سواء تعلّق الأمر بدرجة احترامه أو بأي موضوع آخر.لم يعبّر مرسي عن أي ندم لأنه أخذ وقته قبل أن يأمر الشرطة بكبح أعمال الشغب التي استهدفت السفارة الأميركية في القاهرة، بل إنه قال بلهجة من التحدي إن مقاربة "الصبر" التي يطبقها كانت المقاربة الصائبة، حتى لو أصبحت حياة الأميركيين على المحك.يتابع الرئيس المصري التهديد بتعديل المعاهدة القائمة بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، علماً أن تلك المعاهدة هي حجر الأساس لأي سلام يمكن تحقيقه في الشرق الأوسط وركيزة المساعدات العسكرية والاقتصادية التي وفرتها واشنطن إلى القاهرة على مر العقود.أخيراً، حين يعتبر مرسي أن دافعي الضرائب الأميركيين كانوا يدعمون أنظمة الشرق الأوسط المكروهة من شعوبها، فهو يغفل بذلك عن الاعتراف بأن المساعدات الاقتصادية التي بلغت قيمتها مليارات الدولارات كانت تهدف إلى مساعدة تلك الشعوب تحديداً. قد يتساءل البعض عن التصريحات التي سيدلي بها في المرحلة المقبلة، لا سيّما أن الإدارة الأميركية تتابع التعامل معه بحذر.انزعج الرئيس أوباما لأن نتنياهو ورّط نفسه وبلده في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن لم يساهم الرئيس الأميركي في تحسين الأمور. على الرغم من خطابه الودي الذي يصر فيه على الوقوف إلى جانب إسرائيل، تكشف تعليقاته العفوية بروداً واضحاً تجاه نتنياهو والدولة اليهودية أيضاً. صُدم الإسرائيليون (حتى المعسكر اليساري) حين وصف أوباما تحذيرات نتنياهو الطارئة بشأن إيران بالضجة العابرة، كما أنهم شعروا بالقلق حين اعتبر إسرائيل واحدة من حلفاء كثيرين في الشرق الأوسط، ما يعني أن واشنطن لديها حلفاء آخرون يمكنها الاتكال عليهم في المنطقة في حال حصول شرخ في العلاقات مع إسرائيل.تكمن المفارقة في واقع أن هذا السلوك تحديداً قد يؤدي إلى الوضع الذي يخشاه أوباما وعدد كبير من خبراء الأمن القومي الأميركي من الحزبين: شن ضربة إسرائيلية استباقية على إيران. لن تحصل هذه الضربة إلا إذا فقدت إسرائيل الثقة بالدعم الأميركي، ويبدو أن تلك الثقة بدأت تتلاشى نتيجة تعليقات الرئيس.من المعروف أن قلة الثقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي قصة قديمة، فقد تعزز انعدام الثقة نتيجة التعليقات التي أدلى بها أوباما عن نتنياهو أمام الرئيس الفرنسي، فضلاً عن إقدام أوباما على إضعاف مقاربة العقوبات. لم يكن نتنياهو الإسرائيلي الوحيد الذي لاحظ أن الرئيس أعفى حوالي عشرين بلداً (مثل الصين) من تداعيات العقوبات مع أنه تلقى أكبر إشادة على العزلة الاقتصادية التي تعيشها إيران.خلال فترة معينة، بدا هؤلاء الإسرائيليون الذين يعارضون شن ضربة استباقية مستعدين لمنح مقاربة العقوبات فرصة، على اعتبار أن واشنطن ستقف إلى جانب إسرائيل إذا احتدمت الأزمة مع إيران، لكن من خلال الاستخفاف بمخاوف إسرائيل الوجودية واعتبارها مجرد "ضجة" عابرة، أضعف الرئيس الأميركي موقف منتقدي نتنياهو. يصعب عليهم الآن أن يعلنوا أن إسرائيل لا تقف وحدها في مواجهة ملالي طهران الذين يريدون محو إسرائيل من الخارطة، لقد جعلهم أوباما يشعرون بوحدة تامة.من المستبعد أن تؤدي الضربة الإسرائيلية على إيران إلى تداعيات طويلة الأمد تنعكس سلباً على برنامج الأسلحة الإيرانية، فما من هدف إيراني واحد يمكن استهدافه كما حصل حين هاجمت إسرائيل مفاعلاً نووياً سورياً في عام 2007 أو مفاعل أوزيراك العراقي في عام 1981. يملك الإيرانيون الوسائل اللازمة لتجاوز أي ضربة إسرائيلية والمضي قدماً لتطوير سلاح نووي. حتى الضربة الأميركية ستطرح إشكالية كبرى، وتحديداً نتيجة الضغوط السياسية التي يمكن أن توقف حملة القصف قبل إنهائها.لكن إذا كانت إسرائيل تشعر بالقلق والوحدة وتخشى فوز أوباما بولاية رئاسية ثانية، فقد تقرر مهاجمة إيران في مطلق الأحوال، وقد تكون عواقب تلك الخطوة وخيمة فعلاً على مستوى أسعار الوقود، والاقتصاد الأميركي، وسلامة القوات الأميركية والموظفين الحكوميين الآخرين والمواطنين في أنحاء العالم.يجب أن يعيد أوباما توجيه قوة خطابه ونفوذ منصبه، بل يجب أن يتخذ موقفاً أكثر صرامة مع مرسي وموقفاً أكثر ذكاءً مع نتنياهو. لم تصبح مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هشة بقدر ما يظن البعض. تتعدد الدول (ولا سيما الأنظمة الملكية العربية التقليدية) التي تحافظ على علاقاتها مع واشنطن.لكن لا يمكن أن تتحمل المنطقة هذا الكم من الإخفاقات من جانب البيت الأبيض، ففي مرحلة معينة، قد تشتعل الأحداث لدرجة أن كل ما يقوله أو يفعله المسؤولون في واشنطن لن يكفي لحماية المصالح الأميركية القديمة في هذه المنطقة المتقلبة.Dov Zakheim
مقالات
سياسة أوباما وإخفاقاتها في الشرق الأوسط
05-10-2012