أميركا وأوروبا والربيع العربي

نشر في 09-11-2012
آخر تحديث 09-11-2012 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي  جلست مع أحد الأصدقاء من إحدى السفارات الأوروبية في البلاد، ودار حديث لا تنقصه الصراحة، وبالطبع كان محور الحديث عما تشهده الشوارع والساحات في المدن العربية من حراك أدى إلى التحول والتغير المتسارع في الأنظمة.

كان صاحبي من المؤمنين بأن هذا التحرك مستحق في ظل فساد استشرى في كل مفاصل الحكم والحكومات العربية حتى وصل إلى حد يصعب على الشعوب تحمّله, فكان هذا الحراك الواجب التنفيذ, مع كل احترامي وتقديري للأنظمة الأوروبية التي تمثل قمة في الديمقراطية.  وقد سألت صاحبي: أليس في بلادكم فساد؟ هل أصبحتم تنافسون مدينة أفلاطون الفاضلة؟ ومن ناحية أخرى هل كانت أجهزتكم الاستخباراتية على علم بما سيحدث في البلاد العربية؟ وماذا فعلتم لمواجهة ذلك؟ فلا أعتقد أنه يسعدكم رؤية هذه الدماء التي تسيل في الشوارع، وهذه العائلات التي تشرد، وهل حقا ساعدتم على هذا التغيير بهدف القضاء على الفساد في الدول العربية, وحرية ورفاهية شعوبها, بودي أن أصدق ذلك، ولكن وكما قال الفنان الكبير والمبدع سعد الفرج "قوية"؟

أما إن كانت أجهزتكم الاستخباراتية قد فوجئت بهذه الأحداث فإن ذلك يعني إقراراً بفشل تلك الأجهزة التي صرفتم عليها مئات الملايين بل الآلاف، ونشرتموها في كل أرجاء الدنيا، أما إن كنتم على علم بما سيحدث فذلك يعني أنكم متواطئون مع من قام بتلك الثورات, وهذا يقودنا إلى التساؤل عن ماهية تلك الصفقات السرية التي عقدت معهم وما هي حدودها؟

ليس هناك شك في أن بعض تلك القيادات التاريخية قد استنفدت أدوارها، وحان وقت استبدالها وإسدال الستارة عليها ليبدأ فصل جديد وأبطال جدد ومرحلة جديدة لم تتضح كل ملامحها بعد، ولكنها بالتأكيد لن تكون بعيدة عن الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي, وإخراج أميركا وأوروبا من أزمتهما الاقتصادية الخانقة التي تكاد تعصف برفاهية المواطن الأوروبي، بل تدفع البعض إلى تخطي خط الفقر.

 هل حقا تحمّلون الدول العربية والخليجية بصفة خاصة بعض المسؤولية عما تعانونه من أزمة اقتصادية, فبعض خبرائكم الاقتصاديين يؤمنون بأن الدورة الاقتصادية لا تكتمل، حيث تتدفق الإيرادات النفطية وغيرها إلى الدول العربية، وتذوب ما بين بذخ وترف واقتناء قصور ويخوت وطائرات خاصة، وتكديس في الخزائن والحسابات الخاصة.

 والأقسى أن بعضها يذهب إلى جماعات إرهابية تناصبكم العداء, والأغرب أن من يقوم بهذه الثورات تحركهم الجماعات الإسلامية وبشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين التي عرف عنها الاستماتة من أجل الوصول إلى السلطة مهما كانت الوسيلة، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة, ولكن ما حدود الصفقات السرية التي عقدت معهم؟ قد يكون بعض بنودها، وهذا مجرد خيال، لكنه ليس بعيداً عن الواقع:

- الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي الذي يحظى بأهمية قصوى في الضمير الغربي.

- العمل على اتباع سياسة تؤدي بالضرورة إلى خفض أسعار النفط إلى ما دون ثمانين دولاراً، مما يعني توفير ما يفوق ثلاثين في المئة من الميزانيات المخصصة لشراء الوقود.

- ترسية عدد كبير من مشاريع إعادة الإعمار في الدول العربية على الشركات الأميركية والغربية الكبرى.

- قد لا يكون الملف النووي الإيراني بعيداً عن هذه الاتفاقات السرية، وذلك بالقيام بدور الوساطة والمصالحة بين إيران وأميركا والدول الغربية.

 - والخوف كل الخوف أن يكون تسهيل القفز على الأنظمة الخليجية من ضمن هذه الاتفاقات السرية، خاصة أن هذه الدول هي مستودع القوة المالية الاقتصادية, ولعل ما نراه في الكويت يثير المخاوف من ذلك.  والواقع أن ما يدفعنا إلى طرح مثل هذه الأفكار هو ما نراه من كم هائل من الود بينكم وبين الجماعات الإسلامية في هذا الوقت بالتحديد، فأين كان هذا الود عام 1989 عندما فازت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" في الجزائر بانتخابات حرة ونزيهة، فقامت أوروبا ولم تقعد حتى تم إلغاء نتائج تلك الانتخابات؟

وكذلك الحال بالنسبة إلى فوز "منظمة حماس الفلسطينية" فلم يتم الاعتراف بها، بل تعرضت لحصار جائر لا يزال قائما حتى الآن, إذن ماذا تغير بين الأمس واليوم؟ ولماذا هذا الكم الهائل من الود مع "الإخوان المسلمين" علماً أنها من الداعمين لتنظيم "القاعدة"؟ فهل هذا أيضا جزء من اتفاق سري قد يؤدي بالضرورة إلى تحجيم هذا التنظيم؟  بالطبع لم تعجب صاحبي هذه الأفكار، ولكنه لم ينكر إمكانية حدوثها.  دعاؤنا دائماً بأن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top