قال لي المبدع الكبير إدوار الخراط في حوار دار منذ فترة طويلة، «إن كل ما يحدث في العالم العربي تحركه أصابع أميركا، فهي خلف كل الغامض من الأمور التي تدور في الوطن العربي، وكنت في ذاك الوقت متعاطفة جداً مع أميركا، فهي التي أعادت إلينا وطننا الكويت، وحريتنا ومستقبلنا كله، وكان من الصعب عليّ تقبل هذه الفكرة التي ترى في أميركا الشيطان الذي يحرك كل الشرور في العالم ويلعب بمصائرها، ولكن بدأت الأيام تكشف لي صحة كلام صديقي الكبير، وان أميركا ومعها العالم الغربي بالفعل من يرسمون خريطة العالم ومنها العالم العربي، ويحددون مصائر كل من فيه ويسيرونهم إلى أهداف مرسومة ومحددة بدقة لخطة تخدم مصالحهم الآنية والمستقبلية، وذلك ببضع خطط طموحة ذكية تستفيد من دراسة نفسية الحكام العرب، وتعد لها السيناريوهات المناسبة لكل شخصية منهم على حدة، بحيث تحرك بيادق الشطرنج بحسب هوية الشخصية وطريقة ردود أفعالها، يُركب ويُعد لها السيناريو المحكم الذي لن تفلت من شباكه مهما أُوتيت من حيلة وقوة، وبغباء ستبلع الطعم وستتصرف طبقاً لمرسوم السيناريو بحذافيره من دون أدنى تفكير في خطة بديلة مفاجئة.

Ad

وهذا ما حدث بالضبط مع صدام حسين المنتشي بغرور ليس له سقف محدد، اصطادته أميركا بطعم غروره هذا، بخطة ملائمة تماماً لهذا الغرور، وعرفت كيف تمسح بكبرياء غروره الأرض لتدفعه لمزيد من الرفض والعناد لفكرة التراجع، التي كلما فكر أن يهادن ويرضخ داست أكثر على ذاته المتورمة بأنا غير عادية، ومن ثم دفعته إلى المزيد من العنف وعدم التراجع، حتى قادته إلى الهاوية التي أعدت له بالضبط، والتي طُبقت على من بعده من الرؤساء العرب الذين تهاووا طبقاً للسيناريوهات التي رُسمت لهم بدقة، والأمر المدهش أن ردود أفعالهم جاءت مطابقة تماماً لما رُسم لها دون أن يخرج أي واحد منهم خارج خطوط الخطة، وهذا يدل على غباوة الحكام العرب، ولا أدري إن كان معنى الحكام آتياً من الحكمة أو من الحكم، لكنه لا يحمل أدنى معنى للحكمة.

وقد كشفت محطة الـ»إم بي سي» التلفزيونية عن منظمة تدعى «كانفاس» أنشئت عام 2008 لإحداث الانقلابات الناعمة في الدول التي تحكمها أنظمة قمعية وعلى رأسها بالطبع الدول العربية، وذلك عن طريق استدراج هذه الأنظمة في فخ الزعزعة التي تمت عن طريق الثورات الشبابية المسماة بالربيع العربي، والتي قادها شباب تم تدريبهم في صربيا وتركيا وأميركا ولبنان وبولندا، ورعتها منظمة «كانفاس» التي أنشأها كل من جمس جلاسمان، وجيرارد كون، وبقيادة تحالف مع أسماء كبيرة في القطاع الخاص الأميركي مثل الـ»فيسبوك»، و»غوغل»، وبرعاية ومباركة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمة التي سُميت بتحالف حركة الشباب.

وبالفعل سقطت الحكومات القمعية المتمترسة في الحكم لعقود عديدة لا تنتهي ولا تنفك ولا تنحل إلا بموت صاحبها، فلم تعرف الدول العربية حاكماً حكم بمدة قانونية محددة بزمن رئاسة معين وينتهي، بل كل أنظمة الحكم ملوكية أو أميرية أو رئاسية ليس لها مدة حكم محدودة، ولا تنتهي إلا بالموت سواء كان موتاً طبيعياً أو عن طريق الثورة والانقلابات والقتل، وبقدوم حاكم آخر يقوم بذات دور الحاكم الذي سبقه، وربما أيضاً ينتهي بنفس مصيره.

مضحك تاريخ حكامنا العرب، فكلهم شخصيات درامية عجيبة تصلح لإعداد الكثير من المواد الفنية، سواء كانت كتابات أدبية أو تلفزيونية أو سينمائية، فكل منهم تمتع بشخصية غرائبية نادرة، فمن صدام حسين إلى القذافي، ومبارك وشلة أنجاله وزوجته، وزين العابدين، وحاكم اليمن وكل السائرين على الطريق المفتوح بيد أميركا، والذي لا نعلم إلى أين تنتهي خريطته، وإلى أين يقود حكامنا العرب وشعوبهم المغلوبة على أمرها لمئات السنين، والتي حصلت على حريتها وتحررها، لكنها لا تعرف كيف تستثمرها، فهي لم تُدرب عضلاتها بعد لتعرف كيف تستفيد من حريتها وفق مفهوم الاستغلال «الصح»، وبالتالي ستدخل أميركا مرة أخرى من الباب الواسع في هذه المرة لتعلمها وفق خطة وسيناريو معد وممهد منذ عشرات السنين كيف تعيش كل مجموعة حريتها بعيدة عن مجموعتها، وبالتالي ستتوالد تلك الحريات الصغيرة عن مجاميع مقسمة لدويلات صغيرة يسهل حكمها وقيادتها.