الحبس الاحتياطي
كلما طفت على السطح قضية ذات بُعد سياسي دخلت معها معضلة الحبس الاحتياطي المطلقة كأحد مرتكزات التعسف والانتقاص من كرامة الإنسان، وإذا كانت آخر تلك القضايا قضية نهار الهاجري الذي تم حبسه ٢١ يوماً على ذمة التحقيق، على ما يبدو بتهمة حرقه للعلم الإيراني، فإنها لن تكون الأخيرة. ومما يؤسف له أن الجدل عادة ما يدور حول البعد السياسي للفعل وكيفيته، لتتحول مشكلةٌ عامة تهم الجميع، إلى شد وجذب سياسي حول الموضوع والشخص والقضية، وبينما يفرح هذا الطرف السياسي أو ذاك، بتسجيله نقاطاً سياسية على الطرف الآخر، يتم إغفال المشكلة الأساسية، وهي أن استمرار إجراءات الحبس الاحتياطي، كما هي عليه الآن، يمثل مدخلاً قانونياً لانتهاك حقوق الإنسان، وجب تعديله. قلنا منذ زمن طويل إن الاستخدام المطلق، وغير المسبَّب، وطول مدة الحبس الاحتياطي، يفتحان باباً واسعاً للتعسف ضد حقوق الإنسان وكرامته بغض النظر عن الفاعل والقضية. وقد يتصور البعض أننا نتحدث عن الحبس الاحتياطي في القضايا ذات البعد السياسي، حيث إن المشكلة أكبر في ما لا نراه، أي تلك التي يتضرر منها أناس عاديون، أغلبهم فقراء وأغلبهم غير مواطنين، لا أحد يعرفهم، قضاياهم غير مشهورة، ولا تصل إلى الإعلام، فهؤلاء ليس لهم إلا الله وحده، حيث لا إعلام ولا صحافة ولا "تويتر" ولا اعتصامات ولا نواب كسيبة. مراجعة إجراءات الحبس الاحتياطي وضبطها باتا مسألة ضرورية لحماية كرامة الإنسان وحقوقه المهدرة، ولربما تساعدنا القضايا التي تحظى بحضور إعلامي في تسليط الضوء على مشكلة قديمة، وهي أنه بالإمكان التلاعب بحق الفرد وحريته حسب الموقف، وحسب قيمة الفرد، ليتكرر موقف السياسيين الانتقائي بوقوفهم ضد حبس فلان لأنه مفيد سياسياً ووقوفهم مع حبس آخر لأنه أيضاًً مفيد سياسياً، وهي معركة باهتة مكررة بليدة وتقليدية. فإن كان بعض النواب قد أعلنوا نيتهم السعي إلى تعديل إجراءات الحبس الاحتياطي بما يكفل كرامة الإنسان أياً كان، وهو توجه محمود، فإنه لزم عليهم التخفيف من تصريحاتهم والتركيز على المضي جدياً في التغيير.