أين تذهب الفوائض المالية؟!

نشر في 10-09-2012
آخر تحديث 10-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. بدر الديحاني أليس غريباً أنه في الوقت الذي تتراكم فيه الفوائض المالية الضخمة نجد أن طلبات الإسكان قد وصلت إلى مئة ألف طلب مما يعني أن قرابة 500 ألف مواطن (نصف عدد السكان تقريبا) ما زالوا ينتظرون الحصول على سكن دائم؛ مع الأخذ في الاعتبار أن فترة انتظار السكن تتعدى 15 عاما؟

تتوافر لدينا كل عام فوائض مالية هائلة قدرت هذا العام بما يفوق 10 مليارات دينار، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي، أي أنها نتيجة لعوامل خارجية وليست بسبب حسن إدارة الحكومة لمواردنا المالية، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: تُرى أين تذهب هذه الفوائض المالية الضخمة؟

أليس غريباً أنه في الوقت الذي تتراكم فيه الفوائض المالية الضخمة نجد أن طلبات الإسكان قد وصلت إلى مئة ألف طلب مما يعني أن قرابة 500 ألف مواطن (نصف عدد السكان تقريبا) ما زالوا ينتظرون الحصول على سكن دائم؛ مع الأخذ في الاعتبار أن فترة انتظار السكن تتعدى 15 عاما؟ ليس ذلك فحسب بل إن معدلات البطالة في ازدياد عاما بعد آخر، إذ بينت آخر إحصائية رسمية أن 19061 مواطناً ينتظرون الحصول على فرص وظيفية؛ علما أن فترة الانتظار قد تصل إلى عامين، كما أن هناك بحدود 23 ألف أسرة تتلقى مساعدات اجتماعية من وزارة الشؤون الاجتماعية وبعض الأسر مسجلة على قوائم "بيت الزكاة"، ناهيكم بالطبع عن سوء الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية وتآكل البنى التحتية، حيث إن آخر مستشفى أنشئ كان قبل 30 عاماً، وأغلب مؤسسات وأجهزة الدولة لا تزال منذ نصف قرن أو يزيد في مبانٍ مؤقتة وبعضها مؤجر في عدة أحياء سكنية، فكليات جامعة الكويت، مثالاً لا حصراً، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة، موزعة بين مبانٍ عدة في مناطق سكنية مختلفة، وبعضها مدارس قديمة، ولا أحد يعرف متى سينتهي الحرم الجامعي الموعود في "الشدادية" الذي لم يحاسب أحد حتى الآن على عملية عدم إنجازه في الوقت المحدد!

لقد بيّن الاستجواب الأخير لوزير المالية السيد مصطفى الشمالي جزءاً بسيطاً جداً من الصورة، إذ اتضح كيف تدار المالية العامة للدولة؟ وأين توجّه الثروة؟ ولمصلحة من؟ مما يؤكد أن هناك خللا كبيرا في عملية توزيع الثروة يتطلب قيام الحكومة بصياغة سياسات عامة جديدة لتصحيحه، فلو ترك ليستمر فسيقضي على الطبقة الوسطى في المجتمع التي تتحمل بجانب الطبقة الفقيرة تبعات السياسات العامة غير الرشيدة لتوزيع الثروة، وهو الأمر الذي ينتج عنه عادة زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والتأثير السلبي في التطور الديمقراطي، وكما قال اللورد البريطاني وأستاذ الاقتصاد السياسي روبرت سكيدلسكي في مقاله المنشور في "الجريدة" بتاريخ 15-8-2012 "... إن الموقف غير المكترث إزاء عملية توزيع الدخول يشكل في حقيقة الأمر وصفة أكيدة لنمو لا ينتهي، حيث يحرز الأثرياء وأصحاب الثراء الفاحش تقدماً متواصلاً عن بقية الناس.

ومن المؤكد أن هذا خطأ لأسباب أخلاقية بل حتى عملية، فهو من الناحية الأخلاقية، يجعل الأمل في حياة طيبة بعيداً عن منال أغلب الناس، ومن المحتم على الجانب العملي من الأمر أن يؤدي هذا الموقف إلى تدمير التماسك الاجتماعي الذي تستند إليه في نهاية المطاف الديمقراطية، بل حتى أي شكل من أشكال المجتمعات السلمية الراضية".

back to top