أعلن القيمون على أحد البرامج التلفزيونية المتخصصة في تغطية نشاطات السينما العربية فجأة أنهم سيُدخلون تغييراً على شكل البرنامج ومحتواه، فحار الجمهور في فك طلاسم «اللغز» والوصول إلى حل لهذه «الفزورة».

Ad

يعرض البرنامج عادة مقتطفات للأفلام الجديدة ويرصد إيرادات شباك التذاكر ومؤشراته ويتابع أحدث أخبار النجوم العرب، وثقة الجمهور كانت كبيرة في أن البرنامج مُقبل في أضعف الأحوال على «خطوة إعلامية» عظيمة كما أعلن القيمون عليه. في الموعد المحدد، خرج المذيعان ليكشفا المفاجأة «المُذهلة» ويؤكدا أن البرنامج سيقدم فقرة جديدة بعنوان «قبل وبعد»، تقوم فكرتها على استعراض صور النجمات العربيات قبل جراحات التجميل وبعدها!

هكذا فهم فريق إعداد البرنامج معنى «التجديد» و{التطوير»، وهكذا ينظر القيمون على المحطات التلفزيونية العربية عموماً إلى برامج السينما التي تُقدم على شاشات محطاتهم، فالبعض ينظر إليها بوصفها «بوتيكات» لعرض أحدث خطوط الموضة، بينما هي في نظر البعض الآخر «بيوتي سنتر» على أكثر تقدير. ولهذا خُيل إليهم أن «تطعيم» البرنامج بفقرة تافهة عن النجمة قبل أن تُطيل رموشها أو بعد أن تُزيل طول أنفها، ستمثل «إضافة» وتُحدث «تغييراً» على صعيدي الشكل والمضمون، وتحقق للبرنامج الجماهيرية التي يبحث عنها!

العجيب أن هذه النظرة القاصرة والفاضحة ليست حكراً على البرنامج المذكور، بل هي عنصر أصيل في «الاستراتيجية» التي تحكم تقديم برامج السينما في «الفضائيات» و{الأرضيات» العربية، فالغالبية منها تعاني هزالاً وفقراً شديدين، وهي وسيلة للتسطيح لا ترقى إلى درجة الترفيه بل إنها مجرد «سد خانة» في العادة، بدليل أنها تُذاع في «الوقت الميت» بلغة الإعلام، أي الذي تتراجع فيه نسبة المشاهدة. وإذا أذيعت في وقت الذروة فإن معنى هذا، ببساطة، أن البرنامج تحوَّل إلى «نشرة دعائية» للنجم أو النجمة، وأنه ينتمي إلى البرامج «مدفوعة الثمن مقدماً»، لذا حامت الشبهات حول كثير من البرامج السينمائية المتخصصة، وطاردتها اتهامات عدة ما زالت عالقة بثياب أصحابها!

يحدث هذا في الوقت الذي تعاني فيه برامج السينما الحقيقية، التي تستهدف تقديم الثقافة الجادة أو تتبنى رسالة تنويرية غاية في الأهمية، التجاهل والملاحقة والحصار بما يحول دون ظهورها على الشاشة، وإذا ظهرت توضع العقبات في طريقها فلا تستمر سوى أشهر معدودة ثم يصدر قرار رسمي بإيقافها، بحجة أنها «صعبة الهضم» أو «ثقيلة الظل». بينما يستطيع أصحاب المحطات، لو أرادوا، انتهاج «استراتيجية» توظف الترفيه لتمرير الثقافة من خلال استثمار كثير من الأفكار الطازجة في تقديم برامج سينمائية جماهيرية وناجحة تروي ظمأ الجمهور إلى المعرفة، وتغير وجه الشاشة التي تفتقد مثل هذه النوعية من البرامج الرصينة بعيداً عن التفاهة التي غرق المشاهد العربي في أوحالها.

أين برامج السينما من الفيلم الروائي القصير أو التسجيلي أو التحريك؟ وكيف تغيب عن الكثيرين أهمية تخصيص فقرة لعرض أحدث إصدارات المكتبة السينمائية العربية؟ وما الذي يحول دون استضافة المخرجين الشبان (مستقبل السينما العربية) للتعريف بهم وبأفكارهم وبمواهبهم المبدعة، وإفساح المجال لظهورهم في هذه البرامج، وهم يتأهبون لاحتلال مكانهم الذي يستحقونه على خارطة السينما العربية؟

الأفكار كثيرة والتغيير سهل، كذلك التطوير إذا خلصت النوايا وصفت النفوس. نظرة سريعة إلى برامج الثقافة السينمائية في المحطات الأجنبية، التي يسعى بعض محطاتنا العربية إلى محاكاة «شكلها» دون «مضمونها»، تؤكد الفارق الشاسع الناتج من إصرار أصحاب محطات عربية على الارتماء في براثن أفكار عفا عليها الزمن، وأحضان نجوم ونجمات ركبهم الغرور، وتملكت منهم النرجسية. بينما يرى البعض الآخر منهم أن برامج السينما ستتقوض وتنهار في حال عدم نجاحها في استضافة النجوم، على رغم وعيهم المحدود وثقافتهم المعدومة، إلا في استثناءات نادرة، ويُصرّ هؤلاء على فرش «السجادة الحمراء» في طريقهم، بينما يعرف الجميع أنهم يتحملون بسبب نظرتهم الضيقة مسؤولية انهيار السينما، وتحول برامجها، بفضل ثقافتهم الضحلة، إلى «كرنفال» و{ديفيليه» أو «بيوتي سنتر»... ليس أكثر!