اعتدنا أن نقول عندما يغادرنا إنسان عزيز علينا إنه "ذهب عنا بجسده وستظل روحه معنا وذكره حاضراً"، ذلك لا ينطبق ولا ينبغي له أن ينطبق على شخص من أمثال جاسم القطامي رحمه الله، فهو ليس من أولئك الأشخاص الذين تركوا سمعة طيبة بين الناس فحسب، لكن ما قام به هو وصحبه المخلصون، رحم الله من غادرنا منهم، وأطال في عمر من لا يزال معنا، هو فعل يستلزم الإقرار به وتقديره حق تقدير. بدون الفعل الذي قاموا به ربما لم يكن للحراك السياسي أن يؤسس محطة انطلاقه على أسس دستورية راسخة ومتينة. ومتابعة سيرة جاسم القطامي تعطينا نموذجاً واضحاً للتطور السياسي في هذا البلد الصغير، والذي تم رفع السقف به عالياً عندما كانت التضحية تعني الكثير، فإن كانت هناك آفاق للحراك الشعبي والإصلاح والتغيير فإن الفضل يعود بجزء كبير منه إلى مواقف جاسم القطامي وأمثاله، وإن كانت هناك لمسة حرية نسبية نستطيع خلالها أن ننتقد السلطة دون وجل أو خوف فإن للقطامي ومن سار في نفس الطريق فضلاً لا يمكن إهماله، ولا ينكره إلا جاحد، وإن كان هناك حديث مستحق عن الإصلاح لسياسيين اليوم، فإنه ينطلق من قاعدة الدستور الذي كان للقطامي وأمثاله دور أساسي في تأسيسه، والنضال من أجله، والمطالبة بالمزيد من الحريات. فنحن نبني اليوم على ما قد تم تأسيسه والنضال من أجله منذ الخمسينيات. جاسم القطامي لم يبق معنا بذكراه العطرة فحسب، بل بالقيم التي خلقها على الأرض وجعلها تسير على قدمين، وبالمؤسسات التي نعيشها ونمارس حياتنا على ضوئها، والتي شهدت تطوراً ملحوظاً فرحلت من السياسي البحت إلى الإنساني نابذاً بوضوح العنصرية والطائفية والفئوية أياً كان شكلها أو منبعها. بل إن الأمر لم يتوقف عند المحيط المحلي بل انطلق عربياً وأسهم بشكل بارز في الدفع بسمو مبادئ حقوق الإنسان العربية قبل أن يتعاطاها المتعاطون، وكان هو شخصياً الضامن لاستقلالية المؤسسة والفكرة، وظل يرعاها بروح الشباب إلى آخر لحظة في عمره، لم يتوقف عن التأسيس والتأصيل، فلم تكن تعنيه التفاصيل، بل كانت المبادئ هي ما يزرع، وكان زرعاً طيباً. السلام عليك أيها الرجل الذي ما فقد ظله، وليغمرك الله برحمته وغفرانه فأنت من غمر الناس بعطفه ورحمته وإنسانيته وتفانيه لكي تبني مجتمع المساواة والعدالة والرحمة، فعليك السلام ومنك السلام وليرحمك السلام.
Ad