جائزة البوكر العربية وربيع جابر!
في محصلتها، تصبّ الجوائز العربية الأدبية، في مصلحة الإبداع العربي، وتقف إلى جانب المبدع والكاتب العربي، الذي يعيش في الغالب حياة اجتماعية واقتصادية صعبة، مضطراً في معظم الأوقات إلى الاشتغال في أي وظيفة تؤمن له ولأسرته العيش الكريم، إلى جانب ولعه وصلته المتواصلة بالفكر والقراءة والكتابة. لقد استطاعت الجائزة العالمية للرواية العربية، أو ما بات يُعرف بـ"البوكر العربية"، أن تحظى باهتمام وحضور ثقافي وإبداعي كبير، قلما حظيت به جائزة عربية، خاصة إذا ما أخذ بالحسبان عمر الجائزة القصير، حيث إنها أطلقت في أبوظبي عام 2007، لكنها سرعان ما استطاعت أن تكون واحدة من أهم الجوائز العربية، وذلك بسبب اقتران اسمها بجائزة عالمية عريقة هي (جائزة البوكر) الإنكليزية للرواية، واتخاذها لنهجٍ جديدٍ على الجوائز العربية، عبر إعلانها عن قائمة طويلة، ومن ثم قائمة قصيرة والكشف عن أعضاء لجنة التحكيم، مما يعني بشكل واضح إشراك القارئ في أعمال الجائزة، ووضع ذائقته الخاصة إلى جانب اختيارات لجنة التحكيم، وأخيرا انفتاح الجائزة على الترجمة بأكثر من لغة أجنيبة بالنسبة للفائز الأول، وربما عموم الروايات الستة للقائمة القصيرة. وبالتالي الوصل بالآخر الأجنبي، وما يترتب على ذلك من نقلة كبيرة في مسيرة أي كاتب روائي عربي، إذ إن التعاطي مع دور النشر الأجنيبة أدبيا ومالياً لا يمكن مقارنته بأي شكل من الأشكال بالتعامل مع الناشر العربي، ولأسباب موضوعية أظن أنها معروفة للجميع.
أعلنت البوكر على لسان رئيس دورتها الخامسة جورج طرابيشي، عن الفائز بجائزتها لدورتها الخامسة مساء يوم الثلاثاء الماضي الموافق 28 مارس، وفاز بها الروائي اللبناني ربيع جابر عن روايته (دروز بلغراد) الصادرة عن المركز الثقافي العربي، وقد سبق لربيع جابر الوصول إلى القائمة القصيرة للجائزة في دورتها الثالثة عن روايته (أمريكا)، ولاقى فوزه بالجائزة لهذا العام قبولاً كبيراً لدى المهتمين وقراء الرواية العربية. يمكن النظر إلى ربيع جابر المولود في بيروت عام 1972 بوصفه روائيا عربيا لافتاً، إن على مستوى غزارة إصداراته الروائية التي وصلت إلى (18) رواية، أو على مستوى تنوع عوالمه الروائية، وربما على مستوى مسلكه الشخصي. فربيع جابر كاتب يمكن بسهولة الإشارة إليه بوصفه "راهب كتابة"، فهو يعيش بعيداً عن الأضواء، نائياً بنفسه عن أي من لقاءات ومهرجانات ومؤتمرات ثقافية عربية أو أجنبية، راضياً بعزلة اختيارية، يكون الكتاب هو رفيقه الوحيد فيها، وبما يذكّر بمسلك مجموعة من البحاثة والكتّاب العرب والعالميين، الذين أحسّوا أن جلّ همهم هو القراءة والكتابة، لذا رهنوا أعمارهم لذلك. إن الناظر لنتاج ربيع جابر قد يقف مبهوراً أمام غزارة إصداراته الروائية، وقدرته على تصوير حيوات مختلفة ومتباينة، مندهشاً من مسيرته في دروب متباعدة، وخوضه في عوالم بشر من مختلف مشارب الحياة. لكن العارف بمسلك ربيع الحياتي، يستطيع بسهولة فهم السر وراء ذلك، فالشاب الروائي متيم بالقراءة، ومسحور بالتاريخ، ومتوفر على موهبة كبيرة، تمكنه من اصطياد حادثة تاريخية بعينها ومن ثم إعادة إفرازها بصيغتها الروائية وبفنية عالية، تعيد الحياة إليها، وتجعلها تلبس ثوب اللحظة، وترشح بما هو إنساني ونبيل. إن نيل أي عمل أدبي لجائزة ما لن يضيف الى العمل شيئاً مهماً بقدر تسليطه مزيدا من الضوء عليه، وبالتالي استقطاب مجموعة جديدة من القراء للانتباه إليه، والاقبال على قراءته، والتمتع بعوالمه. وهذا بحد ذاته يعدّ هدفاً مشروعاً لأي مبدع في وصول عمله الى القراء، وانكشافهم على حياة أخرى مُخبأة بين سطوره وصفحاته.