استغربت غياب المثقفين الكويتيين عن الفعاليات المحلية
بينما تؤكد الشاعرة السعودية هدى الدغفق أهمية وسائل النشر الحديثة في اكتشاف بعض المواهب الشابة، تلقي باللائمة على هذه التقنية الحديثة عبر المساهمة في انتشار بعض الأمراض الثقافية كظاهرة المتشاعرات وعديمي الموهبة، إلى أن أصبح المشهد الثقافي يحوي من لا مهنة له.كذلك ترى أن المرأة السعودية الأبرز خليجياً مستندة إلى النتاج الإبداعي الأدبي والفكري المنتشر عربياً وعالمياً، وتندرج نصوصها المشاكسة في الشعر تحت الجرأة في الطرح والرغبة في التغيير.الجريدة التقت الدغفق، وفي ما يلي الحوار.كيف وجدت الكويت من خلال زيارتك الأولى لها؟لعلها المرة الأولى التي أدعى فيها إلى مناسبة ثقافية في الكويت، وربما تعد شهادتي فيها مجروحة لأنها كالوطن بالنسبة إلي. من خلال الفعاليات الثقافية والفنية التي تسنى لي حضورها، لاحظت مدى تفاعل المتلقين مع المشهد الثقافي، وقد كانت فرصة نادرة جمعتني ببعض المبدعين الناشئين، وجرت بيننا حوارات متنوعة استمتعت بها، فتكوَّن لدي بعض التصورات الإيجابية عن اتجاهات الحركة الأدبية المعاصرة وطموحات الجيل الإبداعي الشاب التي يصرح بها من خلال تعبيره المباشر عن رأيه وموقفه. في المقابل، فوجئت بالغياب الواضح لبعض المبدعين الكويتيين عن المناسبات الثقافية المحلية.هل استطاعت المرأة السعودية تحقيق ما تصبو إليه في القصيدة؟لم تزل القصيدة نافذة يطل من خلالها الشاعر على مستقبل أفضل، ولا يمكن أن تكون أداة للقياس في عصرنا الحاضر وإن اعتبرت مؤشراً إلى رصد المناخ الفكري والمعرفي والثقافي في آنه. وربما تجعلها أسبقيتها للواقع في عزلة بعض الشيء عن كونها دليلاً إلى النتيجة المبتغاة. ولأن المرأة السعودية لم تصل إلى ما تصبو إليه من مطامح وحقوق ومزايا في واقعها الاجتماعي، فالقصيدة تظل قاصرة عن القفز فوق تاريخية تلك الأسوار التقليدية وأسيرتها إلى حين. القصيدة هي الشاعرة... والشاعرة ذات تسمى المرأة المستلبة.تقولين إن الشعر السعودي هو الأفضل خليجياً، إلى ماذا استندت في هذا الرأي؟لم أقل إن الشعر السعودي هو الأفضل خليجياً، بل ذكرت أن المرأة السعودية بمنزلة القائدة للحركة النسوية في الخليج ولو بدا الأمر من الجانب الثقافي والفكري والعلمي. هذا الواقع واضح من كم النتاج الإبداعي الأدبي والفكري المنتشر عربياً وعالمياً، وفوز أسماء نسوية سعودية كثيرة وبروزها وتصدرها المسابقات في مجالات عدة دليل على ذلك. فعلى رغم ما يتسم به الواقع الاجتماعي الذي يعانينه، ومع الأبوية والذكورية السائدة حتى في بنية الأنظمة العامة إلا أنهن تجاوزن العقبات وتخطين أسوار معوقات كثيرة أفرزت بناءً على منظور إديولوجي بحت، وتحاول عرقلتهن بما تعطيه من أولوية لبعض الأحكام العرفية التي هيمنت بها فئة متطرفة على أحوال المرأة بناءً على نظرة تقليدية يواجهها به ذكور عائلتها الصغيرة أو غيرهم. لكن مشروع المثقفة السعودية المتعهد تحسين صورتها اجتماعياً ظلَّ قائماً ولم يرضخ للقمع، وهذا مؤشر وعي وعزم وإيمان بحقوق الذات وتقديراً لقيمها.يصفك البعض بأنك مشاكسة في الشعر ومتمسكة في رأيك، هل يضايقك ذلك؟لا يغضبني كوني مشاكسة أو بمعنى أصح أُتصف بالجرأة والتمرد والصراحة في كشف المستور. وهو أمر ضروري للذات التي تعمل في مجال الأدب أو تمارس الكتابة. يتطلب الموقف الفكري القول اليقيني لا المجاملة الفاسدة وما تحمل من زيف. أما الشق الآخر من السؤال، فإذا كان المقصود بالقول بتمسكي برأي تأكيدي المستمر على ضرورة تطوير المنظور الاجتماعي لمفاهيمه ومعالجة تقليديته وتحريره من قيود موروثاته التي لم تف المرأة حقها من التقدير ولم تمنحها المكانة الاجتماعية اللائقة، فتعبيري عن ذلك الأمر نتيجة طبيعية لما تعانيه المرأة من واقع اجتماعي مؤسف وسأبقى على موقفي رافضة تهميش الذات المؤنثة في المجتمع حتى يحدث تغيير إيجابي مشهود لأحوال المرأة في واقع المنظومة الاجتماعية.ما رأيك في انتشار ظاهرة «المتشاعرات» على الساحة الإبداعية؟أتاحت وسائل الاتصال الإلكترونية أمام الجميع المجال للتعبير والكتابة فامتهنها العامة ومن بينهم من أيقن بأنه يملك موهبة الكتابة وملكة التعبير بأسلوب متمكن، وقد ساعدت الشبكات الاجتماعية (فايسبوك وتويتر) على التوهم باقتداره إبداعياً فاستهلكت الكتابة وتهالكت. وأضحت مهنة من لا مهنة له، ولا ضير في ذلك. فانتشار ظاهرة المتشاعرات نتيجة طبيعية لموجة الاتصال المعلوماتي وثقافة الكلام المكتوب. ومن الإنصاف أن أدين لتلك القنوات الاجتماعية بفضل اكتشاف موهوبين كثر بما قدموه من تجارب إبداعية متميزة في شتى الفنون والآداب. عموماً، أرى أن المتلقي أضحى قادراً على التمييز بين تجربة وأخرى واستطاع أن يستقل ثقافياً ومعرفياً عما كان عليه شأنه في سابق عهد الصحافة الورقية.ألا يغريك انتشار الشعر الشعبي الواسع الذي حققته الفضائيات؟ما الذي يغريني؟ وبماذا؟ فذائقة التلقي العام ومناخها السائد تتجه نحو العامي والشعبي من القول والعبارة، والشعر الشعبي ليس إلا أحد الميول الثقافية التي تحظى بجماهيرية لأنها تعبر باللهجة العامية الدارجة التي اعتادها المتلقي.ثمة أمور سلبية كثيرة تكرسها هذه البرامج، لا سيما أن المتلقي السعودي يعد الشريحة الكبرى في متابعتها. كيف تنظرين إلى هذه السلبيات ومتى ستنتهي؟لا أعتقد أن الاهتمام بالشعر عامياً أو فصيحاً له تأثيرات سلبية، وإن كنت تقصد القبلية والعنصرية من خلال المنافسة أو المديح والتقرب للحصول على المال أو ما شابه ذلك... من وجهة نظري، متابعة تلك البرامج أقل خطورة من برامج أخرى تمتهن الذات الإنسانية وتستغل الغريزة وتروج لقيم شاذة عن مجتمعاتنا مثل ما يحتوي عليه بعض المسلسلات المدبلجة من أفكار وتحرِّض عليه من انحراف وابتذال لرسالة الإنسانية وسماتها الرفيعة.أما ما يختص من تصور عن المتلقي السعودي عموماً، فأينما تبحث تجد الأخير حاضراً سواء في مجال الفن أو الأدب أو السياسة، وما عدا ذلك. والمتلقي السعودي متابع جيد للأحداث ومهتم سواء بالشعبي أو ما عداه، وهذا اتجاه جيد يؤكد تغيراً في مستوى الوعي لدى الرأي العام السعودي الذي يعد الاتصال الإلكتروني والمرئي من أقرب مصادر المعرفة إليه. فضلاً عن أن ذلك المتلقي يملك روحاً تتوق للتواصل والتفاعل، وهو بطبعه محب للعبارة الخلاقة والشعر وزائر ممتاز للمعارض الثقافية يرتحل على حسابه الخاص لاقتناء الكتب وقراءتها، وتواصله مع الشعبي وتقديره له تعبيراً منه عن لسان حاله.تُرجمت أشعارك إلى لغات أجنبية متنوعة، ماذا تمثل لك هذه الخطوة؟الترجمة آفاق للتواصل الثقافي، تحول بالمعنى وتجاوز بالشعر حيث هو منطق الروح وبوحها. كشاعرة سعودية، أردت من ذلك المشروع التحرر من محدودية ما تعلمناه وما لقّنتنا إياه مناهجنا التعليمية التي همشت اللغات الأخرى فترة وحبستنا في ظلامها. دفعتني أميتي تلك ومدى جهلي بكل لغة أن أعمل على مشروع الترجمة، وكان ذلك عام 2005 عندما ترجمت مختارات من نصوصي إلى اللغات الإسبانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية.قدمت بحثاً عن معوقات العمل الصحفي للمرأة قبل عشرة أعوام، هل تلاشت الأسباب الاجتماعية بعد مضي عقد من الزمن؟ربما تلاشت معوقات وظلت أخرى، أبرزها هيمنة الرجل اجتماعياً ومؤسساتياً ورقابته لفكر المرأة وتصريفه لشؤونها الخاصة والعامة وتصدره القرار وصناعته إياه بمعزل عن المرأة. وثمة معوقات أخرى، من أهمها عدم حفظ حقوق الصحافية في مؤسستها وعدم ضمان الأمان الوظيفي حتى الآن.
توابل - ثقافات
هدى الدغفق: القصيدة تظلّ قاصرة عن القفز فوق الواقع
26-09-2012