يقول فقهاء التفسير القرآني "لا يمكن تفسير المفسر ولا توضيح الواضح"، ويقول الشيخ الغزالي "قد يكون لزاماً عليك أن تخوض في الباطل لتصل إلى الحق"، ورغماً عن ذلك أجدني مضطراً- احتراما للقارئ- لتفسير المفسر مع البعد عن الباطل للوصول إلى حقيقة بعض ما يحدث في مصر الآن.

Ad

قامت ثورة يناير وشعارها "عيش- حرية- عدالة اجتماعية"؛ والحرية هي حرية التعبير وحق إبداء الرأي واحترام الاختلاف مع الآخر. وفي الأسابيع الأولى للثورة ومع المتابعة الدائمة من الفضائيات واستوديوهات التحليل والأخبار، برزت أسماء لأفراد كثيرين وعرفت الجماهير صورهم وأشكالهم وأصبحوا نجوماً في المجتمع يتحدثون في كل القنوات ويتنقلون بين الفضائيات، ونجح بعضهم- فقط بسبب الإعلام والترويج التليفزيوني- في انتخابات مجلس الشعب المنحل ولم نسمع له رأياً ذا فائدة أو فكراً ذا قيمة خلال فترة الانعقاد القصيرة ولكن صراخاً وعويلاً ورفضاً وإنكاراً، ثم جال بخاطره أن يشكل حزبا ويؤم قوماً ويقود شعباً، ونظر يميناً ويساراً واختار من هنا وهناك واختار مرشحا سابقا لرئاسة الجمهورية ليكون عضواً مؤسساً في حزبه المشؤوم.

ورغماً عن أن قانون الأحزاب يشترط في العضو حسن السير والسلوك والسمعة الحسنة، فإنه استغل المناخ الثوري الذي تعيشه مصر ورفع راية حرية التعبير في وجه الجميع ولا أدري أي سمعة حسنة لشخص وضعت النيابة اسمه على قوائم الترقب؟ أي سمعة لشخص متهم (لم تثبت إدانته لهروبه للخارج) باستغلال النفوذ وسرقة المال العام؟ أي سمعة لشخص فرضه مبارك رئيساً للوزراء ورفضته الملايين وخلعته؟

هل يحق لمثل هؤلاء الانضمام إلى الأحزاب ليفسدوا في البلاد وليعيدوا ما فات؟ هل هذه حرية تعبير؟ هل هذا اختلاف في الرأي؟ أم هو استغلال سيئ لثورة يناير وشعارها؟

كالعادة سيحاول البعض الالتفاف حول المقال والتساؤل أليس الفيصل رأي الجماهير؟ ولماذا تخشى هؤلاء الأفراد؟ وهذا حق يراد به باطل فالمقال ليس من أجل هؤلاء فهم أقل من أن يفرد لهم مقال ولكنه من أجل المحافظة على الثورة وشرفها الذي يحاول البعض تدنيسه... من أجل دماء الشهداء وكرامتهم... الشهداء الذين قتلهم البعض وأراد توزيع "البونبون" على أرواحهم... "ولا نسينا"!

***

اليوم 28 سبتمبر، وهو من أكثر أيام العرب حزناً وألماً ولا يقاربه نكداً وهماً إلا الثاني من أغسطس، ففي كليهما فقد الوطن العربي المبادئ والقيم سواء في صورة زعيم كان تجسيداً حياً لها أو بسبب عمل دنيء باع الشرف والأخوة بأبخس الأثمان.

وإذا كانت الحروب والهزائم العسكرية والعثرات الاقتصادية يمكن تداركها والتغلب عليها، ففقدان المبادئ والقيم يستحيل عودتها والرجوع إليها. ولم يصب الوطن العربي بمصيبة أكبر من رحيل جمال عبدالناصر، ويكفي تدليلا على ذلك أننا رزقنا من بعده بحكام مثل مبارك وبن علي وصالح وبشار... إلخ.

ومن رائعة نزار قباني "قتلناك" أنقل الجزء الأخير "كنت أود ذكرها كلها ولكن ما باليد حيلة":

أبا خالد... أنادي عليك

وأعرف أني أنادي بواد

وأعرف أنك لن تستجيب

وأن الخوارق ليست تعاد