ساد اعتقادٌ لدى كثيرين، بمجرد انفجار نبأ إرسال روسيا أعداداً من "قوات مكافحة الشغب" إلى سورية، بأن موسكو باتت متيقنة من أن أيام بشار الأسد في الحكم غدت معدودات، وأنه كي لا تكون نهايته كنهاية معمر القذافي لابد من انتشاله من بحر الغضب الشعبي الذي أصبح غارقاً فيه، ولابد من نقله ونقل عائلته إلى المنفى الذي يُفترض أنه حدده منذ فشلت حملته العسكرية الأخيرة على شَعْبه، وانتقلت عمليات الجيش الحر وعمليات الثورة من المدن البعيدة إلى محيط قصره في العاصمة دمشق. وساد اعتقادٌ أيضاً بأن الروس بادروا إلى إرسال قوات الشغب هذه إلى قاعدتهم العسكرية البحرية في طرطوس لقناعتهم بأن انهيار نظام بشار غدا مسألة وقت فقط، وأنهم خوفاً من زحفٍ شعبيٍ لا قِبَل لقاعدتهم البحرية به في وضعها الحالي سارعوا إلى إرسال هذه "الشحنة" من هذه القوات، إلى أن تتضح الأمور وتُعرف هوية بديل هذا الحكم الذي سيشغل المرحلة الانتقالية التي قد تطول عاماً أو عامين أو أكثر أو أقل. إنه لا يمكن تصديق أن مهمة هذه القوات، التي اعترف بإرسالها إلى القاعدة العسكرية في ميناء طرطوس السوري جنرال بحري روسي كبير، هي إسناد الأساطيل الروسية المنتشرة في المحيط الهندي وفي بحر العرب بالقرب من باب المندب وقبالة الصومال، فهذه الأساطيل لا يهددها إلا القراصنة الصوماليون، وهؤلاء لا تحتاج مواجهتهم إلى قوات شغب ترابط على بُعد أكثر من ألفِ ميل، كما أن إدخالها في اشتباك مع هؤلاء القراصنة يحتاج إلى رحلة بحرية طويلة عبر قناة السويس قد تستغرق نحو أسبوع على الأقل. إذن رغم النفي الرسمي الذي تأخر بعض الوقت فإن هناك لغزاً يحيط بإرسال مثل هذه القوات إلى القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري... فهل مهمتها يا ترى هي إنقاذ بشار الأسد في حال سقوطه، أو قبل هذا السقوط بساعات، أم أن مهمتها التصدي لأي زحف شعبي سوري في اتجاهها بعد تمادي موسكو في التدخل في الشؤون الداخلية السورية؟! في كل الأحوال فإن استقدام مثل هذه القوات، بغض النظر عن مهمتها الحقيقية، يعزز تأكيد أن التدخل الروسي في الشؤون الداخلية السورية تجاوز كل الحدود، إن بالدبلوماسية وإن بالسلاح وإن بالخبراء العسكريين وإن بالألاعيب والمناورات السياسية، وإن بهذه القاعدة التي أقيمت مع بدء انطلاق انتفاضة الشعب السوري، هذه الانتفاضة التي بسبب تمادي نظام بشار الأسد تحولت إلى ثورة مسلحة وصلت مؤخراً إلى العاصمة دمشق نفسها، وهذا يعني أنه لا يحق لأيٍّ كان أن يستنكر التدخل الخارجي العربي والغربي أيضاً، فهذا البلد أصبح مسرحاً للعبة أمم جديدة، ولذلك عندما تدخل إيران منذ اللحظة الأولى على خط النزاع السوري الداخلي بميليشيات فيلق القدس وميليشيات بعض الفصائل العراقية الطائفية وبـ"حزب الله" فإنه أمرٌ طبيعيٌّ أن يستدرج هذا تدخلاً عربياً وتدخلاً تركياً وتدخلاً أميركياً... فالبادئ أظلم والتدخل يؤدي إلى تدخلٍ مضاد، والعنف يحتِّم مواجهته بالعنف.
أخر كلام
تدخلٌ روسي سافر!
21-03-2012