إن المطلوب، بدلاً من ذلك، هو مبادرة سياسية جريئة ملتزمة بالدستور تطلقها الحكومة، وتشمل حزمة إصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية وشاملة مطروح أغلبها ومتداول في الساحة السياسية منذ مدة ليست بالقصيرة، بل متوافق عليها إلى حد كبير من قبل ما يسمى بـ«الأغلبية».

Ad

لا نزال ندور حتى الآن، مع الأسف الشديد، في حلقة مفرغة، فالأزمة السياسية هي نفسها مع بعض التغييرات الشكلية أو التحسينات الصورية التي لم تطل الجوهر، فالنهج هو النهج ذاته، والآليات والأساليب هي نفسها، لهذا فالسؤال الذي يجب أن يطرح ليس هل سنعود إلى المربع الأول أو متى؟ بل ما ثمن بقائنا في المربع الأول كل هذه المدة؟

من دون لفّ أو دوران، فإن الثمن سيكون باهظاً على الأطراف التي من مصلحتها استقرار الأوضاع السياسية التي توفر البيئة المناسبة لتطور الوطن وتقدمه، فما هو متوافر لدينا اليوم من إمكانات مادية قد لا يتوافر في المدى القريب، فأسعار النفط كمورد أساسي للدخل تخضع لعوامل خارجية لا دخل لنا بها ولا تأثير منّا البتة.

أضف إلى ذلك أن تجارب الشعوب قد أثبتت أن سقف المطالب الشعبية يرتفع تدريجياً كلما ووجهت هذه المطالب بالرفض، وخير شاهد على ذلك تدرج المطالب التي رفعت أثناء ثورات الربيع العربي التي تمر الآن بمخاض عسير ستتجاوزه قريباً باعتباره مرحلة انتقالية طبيعية أتت بعد عقود طويلة من حكم الاستبداد والقهر والظلم واحتكار السلطة والثروة.

لهذا فإنه لا معنى إطلاقا لإضاعة الوقت بالدوران في حلقة مفرغة والبحث عن حلول ترقيعية صلاحيتها مؤقتة مثل حل مجلس الأمة وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية من قبل الحكومة بشكل منفرد كما تم في عام 1980، أو الالتهاء بالتفاصيل اليومية الصغيرة والمملة والاستماع لمن لديه موقف تاريخي معادٍ للدستور والناس والحياة الديمقراطية، والذي يسعى دائماً إلى الحفاظ على مصالحه الخاصة وليس مصلحة نظام الحكم الديمقراطي.

إن المطلوب، بدلاً من ذلك، هو مبادرة سياسية جريئة ملتزمة بالدستور تطلقها الحكومة، وتشمل حزمة إصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية وشاملة مطروح أغلبها ومتداول في الساحة السياسية منذ مدة ليست بالقصيرة، بل متوافق عليها إلى حد كبير من قبل ما يسمى بـ«الأغلبية»، ومن أغلب القوى السياسية والشبابية والتي من ضمنها، مثالاً لا حصراً، إشهار الهيئات السياسية، وإصلاح النظام الانتخابي، وإنشاء هيئتين مستقلتين للانتخابات والنزاهة، وتقديم حزمة قوانين مكافحة الفساد واستقلال القضاء ومخاصمته، وغيرها من الخطوات الإصلاحية التي تعيد الاعتبار إلى دولة المؤسسات الدستورية والقانون.

وغني عن البيان أن إطلاق مبادرة سياسية من قبل الحكومة حول قضايا عامة مستحقة ومطالب شعبية ملحّة سيخفف إلى حد كبير جداً من حالة التجاذب السياسي، وسينهي حالة الشك وعدم الثقة الشعبية تجاه أي عمل تقوم به الحكومة وسيخرجنا، بالتالي، من حالة الدوران المرهق في حلقة مفرغة. فهل نتوقع مبادرة سريعة أم أننا سنعود إلى الحلول الترقيعية التي يدفع بها أصحاب المصلحة القصيرة المدى والتي ثبت أكثر من مرة أنها تعمّق الأزمة السياسية ولا تحلها؟!