أثناء متابعتي فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان «دبي» السينمائي الدولي (9 إلى 16 ديسمبر 2002) سألت صديقي: «ما الذي يمنع المهرجانات السينمائية من الاقتداء بمهرجان «دبي» في تطبيق نظام «التصنيف العمري» للأفلام المعروضة على الجمهور، فيُصبح المشاهد الذي يرتاد صالات العرض على دراية مُسبقة بنوعية الفيلم الذي سيراه، وتُصبح «الفُرجة مسؤولية كل متفرج»؟
التقليد الحضاري الجميل الذي يتبعه مهرجان «دبي» ومعمولٌ به في المهرجانات السينمائية العالمية كافة، ولا تجده في مهرجاناتنا العربية، تجده في «دليل المهرجان أو «الكتالوغ» (كتيب المهرجان الرئيس)، ويتمثل في تذييل الصفحة المخصصة للتعريف بالأفلام بإشارة تؤكد أن الفيلم «يحتوي على عبارات نابية» أو «يحتوي على مشاهد للبالغين» أو «يحتوي على عري وجنس» أو «يحتوي على عنف» أو «يُنصح بمشاهدته تحت إشراف عائلي»!خطوة راقية ومهمة للغاية ولكن هذا التحضر الذي لا يحتاج إلى جهد من أي نوع؛ نظراً إلى وجود لجان مشاهدة وفرز في كل مهرجان تستطيع أن تتولى مسؤولية «تصنيف الأفلام عمرياً»، غير معمول به في غالبية مهرجاناتنا السينمائية العربية، بسبب اللامبالاة والإهمال والكثير من التقصير الذي يعتري إداراتها في ظل اهتمامها المحموم وغير المفهوم، بأمور أخرى تصب في جيوبهم، وتُزيد من حصيلة رصيدهم الشخصي والمصرفي! الطريف أن صديقي علق على سؤالي بأغرب إجابة استمعت إليها في حياتي عندما قال بثقة وبراءة الأطفال في عينيه: «في حال تطبيق «التصنيف العمري» الذي تسجل إعجابك به، لن تجد الصالات التي تعرض الأفلام التي «يُنصح بمشاهدتها تحت إشراف عائلي» من يرتادها، وستظل خاوية على عروشها؛ لأن الجمهور سيلهث وقتها وراء الأفلام «التي تحتوي على عري وجنس»، وربما سيجد ضالته في الأفلام «التي تحتوي على عنف أو عبارات نابية»!أدهشتني الإجابة التي رأيتها تنويعة أخرى على وتر «نظرية المؤامرة»، لكنني لم أملك سوى مجاراته في تفسيره «الفرويدي»، نسبة إلى العالم الشهير سيغموند فرويد (6 مايو 1856 - 23 سبتمبر 1939) مؤسس مدرسة التحليل النفسي، الذي كان يحلو له النظر إلى الرغبة الجنسية باعتبارها المصدر الرئيس لتصرفات البشر، وقلت له: «إذا افترضنا أن ما تقوله صحيح فإن جمهور مهرجاناتنا السينمائية العربية سيهرول إلى أفلام «العنف والعري والجنس» من منطلق أن «الممنوع مرغوب»، وفور أن يُصاب بنوع من «التخمة» أو «التشبع» سيرتد سريعاً إلى طبيعته، ويستعيد هدوءه النفساني، ويتخلص من هاجسه الجنسي، وسيتعامل مع هذه النوعية من الأفلام بوصفها انعكاساً لسلوك بشري فطري ينبغي النظر إليه في سياقه الطبيعي، ولا يستوجب الاعتداد به أو التضخيم من شأنه، ولن أقول إنه سينصرف بعدها عن تلك الأفلام ولكنه سيجد في النوعية الأخرى من الأفلام الكوميدية والاستعراضية، وتلك التي يُصطلح على تسميتها «الأفلام العائلية»، ما يُرضي حاجته الإنسانية والمزاجية، كما أنه لن يُصبح مؤرقاً بالجنس أو تشغله الأجساد العارية التي يفتقدها في واقعه!ما فعله مهرجان «دبي» إذاً خطوة عظيمة الشأن في سبيل تغيير ذهنية المواطن العربي الذي يرتاد صالات العرض السينمائي، فالتكرار سيصنع التراكم الذي يُخلصه من أمراض الجنس، و«التصنيف العمري» سيجعل منه صاحب قرار وإرادة في الاختيار، يتحمل وحده مسؤوليتهما. والأهم أنه سيخلصه من «الوصاية» و»الحجر على عقله واختياراته»، وأكبر الظن أنه سيصبح بعد سنوات من التجربة سليماً نفسانياً ومُعافى ذهنياً، وسيلقي عُقده وهواجسه الجنسية وراء ظهره بلا رجعة!هكذا تؤدي المهرجانات السينمائية العربية دورها، وتتحمل مسؤولياتها حيال المواطن العربي، فالمهمة ليست يسيرة، ولا تنحصر في استقطاب وتجميع الأفلام من دول العالم لعرضها في مكان واحد أو إقامة حوار بين صانعيها والجمهور العربي الذي يرتادها، لكنها معنية ومُطالبة بدور أكبر أهمية وأكثر قيمة، تقترب خلاله من هموم ومعاناة شعوب أمتنا العربية، ليس فقط على الصعيد السياسي، وإنما على الصعيد النفساني والإنساني؛ بحيث تهيئه لأن يكون سوياً ومتجاوباً مع متغيرات العصر من حوله، وقادراً على الحوار مع «الآخر»، والتعاطي مع ثقافات العالم، ولا يُصبح شاغله الشاغل البحث عن جسد عار أو «إفراغ» حاجته في قاعة مُظلمة أو التحرش بأنثى في الطريق العام.
توابل - سيما
فجر يوم جديد: للكبار فقط!
21-12-2012