بتاريخ 27 سبتمبر 1321 هجري الموافق 16 ديسمبر عام 1903 ميلادي، نشرت جريدة مصرية اسمها "اللواء"، لصاحبها مصطفى كامل بك، مقالاً على صدر صفحتها الأولى عنوانه "الأحوال في بلاد العرب"  تتحدث فيه عن التطورات في الكويت والظروف التي تمر بها.

Ad

ويبدو أن المقال الذي أرسله شخص مجهول الهوية الى الجريدة للنشر، يتهجم بقوة على الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت آنذاك، ويتهمه  بموالاة الإنكليز على حساب العروبة والإسلام.

ونظراً لما ورد في المقال من معلومات تاريخية مهمة، فقد وجدت أنه من الضرورة أن يطلع على محتواه القراء الكرام لتعم الفائدة ونوثق شيئاً جديداً من تاريخ الكويت القديم. كما أنني سأنشر إن شاء الله رد الشيخ مبارك الصباح على هذا المقال، بعد أن استعرض المقال وما ورد فيه.

يقول الكاتب المجهول: "بصفتي رجل من الإسلام أراقب الحوادث الجارية بين الأنام، وارى ان لابد من شكوى الى ذي مروءة، وقصدي طلب النجدة من أقلامكم لنشر ما أذكره في عريضتي هذه، حماية للدين وتعضيدا لخليفة رسول رب العالمين، فإني أرى مواطني أهل العراق في شقاق وافتراق، يصرفون كل ما عندهم من الحمية الدينية التي اشتهروا بها في فناء وجلاء بعضهم بعضا حتى صدق فيهم قول ابي يوسف الحجاج عامل بني امية".

ويضيف كاتب الرسالة انه نوى السفر من البصرة الى الحجاز لأداء فريضة الحج في شهر جمادى الثاني من عام 1321هــ لكنه غير رأيه بعد ورود أنباء عن عزم نائب الملك البريطاني حاكم عموم الهند القيام بزيارة الى الخليج تشمل الكويت والبحرين وقطر والإمارات.

يقول الكاتب "ومعلوم للعموم منذ سنين طمع الدولة الانجليزية في البلاد العربية خصوصا عندما اندلعت في عمان ومسقط وما جاورها من بلدان، لكن لم يعتمد عملها ضد التظاهر بالشفقة والإنسانية كما حصل في مسألة الكويت وأما الآن فبدأت تحقق مطامعها بالوسائل الفعلية ورأت من المشايخ أمثال مبارك الصباح شيخ الكويت اكبر عضد مساعد لها، والتاريخ لا يلوم غير رجال الدولة العلية...".

وواضح أن كاتب الرسالة متابع للأحداث في الكويت والعراق والخليج، وما يكون ذلك إلا لشخص ذي اهتمام وعلاقة مباشرة بهذه الأحداث، وسيظهر في ما سيأتي ذكره انه مرتبط بمجريات الأمور.

يقول "وما كان حمدي باشا والي البصرة مخطئا يوم ان طالب الدولة إرسال خمسمائة جندي لاحتلال الكويت في ذلك الحين، وأخذ مبارك بجريمته، بل المخطئ هي الدولة نفسها التي سمعت الوشاية في حق حمدي باشا وعزلته وولت مكانه محسن باشا".

 وهذا فعلا ما حدث عندما تولى الشيخ مبارك الحكم بعد إقصاء أخويه محمد وجراح عام 1896، ثم تشكلت جبهة معارضة لمبارك تتكون من التاجر الكبير يوسف الإبراهيم، وأبناء محمد وجراح، الذين سعوا إلى استعادة الحكم أولاً عن طريق إقناع حمدي باشا بدعمهم والوقوف معهم، إلا أن الدولة العثمانية قررت عزل حمدي باشا عن ولاية البصرة وعينت مكانه محسن باشا، الذي كان يميل الى التعاطف مع الشيخ مبارك.

ويمضي الكاتب يقول: "هذه الحوادث مضت ونذكرها بالأسف والندم، ولا نريد بها تفريغ الدولة (حاش لله) ولكن نريد من رجالها الانتباه حتى لا (.... كلمة غير مقروءة) من أمثالها، لأني اعتقد ان مسائل العرب مازالت قابلة للحمل وسهلة النوال، وعند أمرائها المخلصين من قوتي الرجال والمال ما لا يكلف الدولة العثمانية أكثر من قولها للدولة الانجليزية رسميا أخطأتِ بعدوانك غير الشرعي على البلاد العربية واني بريئة مما ستلاقين، فمبارك وكل شيوخ سواحل العرب واليمن اضعف من ان يتحملوا حملة واحدة... عليهم من هضاب نجد...".  

نتوقف هنا ونكمل الحديث عن هذا المقال التاريخي في الحلقة القادمة إن شاء الله.