كيف خسر أوباما الشرق الأوسط؟
أدى التلكؤ الأميركي في عهد أوباما إلى الانتقال من مراوحة صعبة في منطقة الشرق الأوسط إلى مستقبل غامض، كما أنه أنشأ فراغاً تحاول القوى الانتهازية المختلفة سدّه اليوم.
خلال قرن من الزمن تقريباً، لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط خط تماس يهدد السلام والاستقرار في العالم، فمع تراكم أنقاض الإمبراطوريات المتلاحقة من حولها، أنتج مشهد الخصومة بين القوى النافذة كماً كبيراً من الاضطرابات التي يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.طورت الولايات المتحدة مصالح لها في المنطقة خلال الأربعينيات، حين بدأ الرئيس روزفلت يفكر في شكل النظام الدولي بعد حقبة الحرب. منذ ذلك الحين، نشأت هندسة سياسية تضمن استقرار المنطقة تحت القيادة الأميركية. طوال ستة عقود، كان النفوذ الأميركي القطب الذي يحفظ استقرار الوضع في عهود إدارات أميركية من الحزبين، لكن خلال السنوات الأربع الماضية، تخلى الرئيس باراك أوباما عن ذلك الدور وسمح باضطراب الوضع وانهياره.
أدى التلكؤ الأميركي في عهد أوباما إلى الانتقال من مراوحة صعبة إلى مستقبل غامض، كما أنه أنشأ فراغاً تحاول القوى الانتهازية المختلفة سدّه اليوم.في عهد أوباما، كسبت روسيا الحق بنقض جوانب عدة من السياسة الخارجية الأميركية، بدءاً من بناء درع صاروخية في أوروبا الوسطى وصولاً إلى وقف برنامج إيران النووي وتقديم المساعدات الإنسانية في سورية. بعد عقدين على غياب روسيا من الشرق الأوسط، يبدو أنها تحاول اليوم استعادة جزء من النفوذ الذي كان الاتحاد السوفياتي يملكه.تتصرف تركيا من جهتها كقوة انتهازية وهي تحاول إظهار نفسها بصورة زعيمة الشرق الأوسط الجديد، حيث يسيطر "الإخوان المسلمون" على الوضع وراء واجهة سياسية. منذ أربع سنوات، كانت تركيا البلد الإقليمي الوحيد الذي لا يواجه أي مشاكل مع الدول المجاورة.أما اليوم، فهي تواجه مشاكل مع جميع الدول المجاورة تقريباً. بما أنها جزء من حلف الأطلسي، تستطيع تركيا جر الحلف إلى مواجهات غير مضمونة خدمةً لطموحاتها الشخصية.في غضون ذلك، تشعر إيران بخوف وغطرسة غير مسبوقين، فهي تخشى أن تكون الضحية التالية لموجة تغيير الأنظمة ولكنها تشعر بالفخر أيضاً لأنها تصدّر إيديولوجيا الكره ومعاداة الغرب إلى بقية دول المنطقة. مثلما حدث مع روسيا، تشعر إيران بالشجاعة والرعب في آن بسبب تراجع النفوذ الأميركي، فهي تشعر بالشجاعة لأنها تملك فرصاً جديدة لنشر نفوذها في أفغانستان والخليج والعراق، ولكنها تشعر بالرعب أيضاً لأنها قد تواجه في نهاية المطاف كتلة جديدة من القوى العربية السنّية المصممة على كبحها وإرجاعها إلى العزلة الشيعية.كانت رؤية أوباما العالمية مبنية على عاملين: يتعلق العامل الأول برغبته في معارضة كل ما يمثله جورج بوش الابن، إذ كان يعتبر سلفه مسؤولاً متقلباً يملي على الآخرين ما يجب فعله ويوبّخهم إذا انحرفوا عن الخط الصحيح. أمضى أوباما النصف الأول من عهده الرئاسي وهو يقوم بجولات اعتذار في المنطقة ويلوم الولايات المتحدة على معظم اضطرابات المنطقة ويطور شبكة من التناقضات الجديدة.على سبيل المثال، رفض أوباما دعم الإيرانيين حين انتفضوا في وجه حاكمهم الطاغية في عام 2009 لأنه كان سيدعم بذلك "أجندة الحرية" التي وضعها بوش. بسبب كرهه لبوش أيضاً، دعم أوباما الرؤساء التونسي والمصري واليمني حتى المرحلة الأخيرة قبل سقوطهم، وحتى في تلك المرحلة، فضّل التحالف مع "الإخوان المسلمين" بدل دعم المعارضة الديمقراطية التي حاول بوش مساعدتها لكن من دون أن ينجح.كان السعي إلى الاختلاف عن بوش العامل الذي دفع أوباما أيضاً إلى اتخاذ قرار بتقليص الروابط مع العراق الذي أصبح بمنزلة بصيص نور وسط منطقة مظلمة، وذلك بعد أن تكبدت الولايات المتحدة تكاليف بشرية ومالية باهظة.بعد أن أثبت أوباما أنه لا يشبه بوش في شيء، كان يحتاج إلى إثبات هويته الحقيقية، ومن هنا يبرز العامل الثاني الذي يحكم سياسته: اقتناع مبالغ فيه بقدرات جاذبيته السياسية.يظن أوباما أن الأمور ستتحقق بكل بساطة إذا أرادها أن تتحقق،فهو تعهد بإنشاء دولة فلسطينية خلال سنة وعيّن السيناتور جورج ميتشل كمبعوث خاص، لكن سرعان ما نسي أمر ميتشل، فأدرك هذا الأخير عدم فاعلية مهمته واستقال.كانت الأمنيات هي التي طبعت سياسة أوباما (المزيفة) تجاه إيران أيضاً، فهو مدّ "يد الصداقة" إلى الرئيس أحمدي نجاد وواجه رفضاً قاسياً.من المعروف أن السياسة الخارجية هي الملف الأخير الذي يتكل عليه الرئيس؛ لذا تلعب شخصية الرئيس السياسية دوراً حاسماً في تحديد نجاح السياسة الخارجية أو فشلها. لقد أثبت أوباما أنه أسير أحلامه بشأن العالم ومهاراته الخاصة، فقد تبين أنه يعجز عن تطوير سياسة واقعية تستطيع التعامل مع منطقة معقدة وخطيرة. في الوقت نفسه، يبدو أنه زرع بذور المشاكل التي قد يواجهها بنفسه أو قد تمتد إلى عهد خلفائه، ما سيكبد الولايات المتحدة كلفة عالية في مطلق الأحوال.* أمير طاهري | Amir Taheri