ما قل ودل: في ملتقى أسلمة القوانين
«أسلمة القوانين رؤية مستقبلية»
عنوان الندوة التي أقامتها جمعية الإصلاح الاجتماعي يومي 20 و21 من الشهر الجاري تحت شعار قوله تعالى: "فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، برعاية السيد جمال أحمد الشهاب وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. ولم يكن لي حظ الحضور في اليوم الأول من الملتقى، فحضرت في اليوم التالي لأستمع إلى المفكر الليبرالي والكاتب الكبير الأستاذ أحمد الديين الذي كان هادئا في طرحه، فغاص في النصوص الدستورية، ليحذر من تعديل للدستور ينتقص من مبادئ الحرية والمساواة، لأن مثل هذا التعديل يقع تحت الحظر الذي نصت عليه المادة 175 من الدستور، واستعرض في ذلك بعض النصوص التي عدلت لتتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية، ومنها قانون الجنسية الذي عدل في الفصل التشريعي الخامس ليشترط في من يمنح الجنسية الكويتية أن يكون مسلما بالميلاد أصلا، أو يكون قد اعتنق الدين الإسلامي وأشهر إسلامه ومضت على ذلك خمس سنوات على الأقل قبل منحه الجنسية، ناعيا على هذا القانون إخلاله بمبدأ المساواة المنصوص عليها في المادة (29) من الدستور. ثم استعرض تعديل المادة الأولى من قانون الانتخاب، الذي خرج بنص غريب يضع قيدا على حق المرأة في الانتخاب والترشيح هو أن تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية. والواقع أنني استمتعت بحديثه وفهمه وتناوله للنصوص الدستورية والقانونية تناول المدقق والباحث المتعمق. وكان على الطرف الآخر من تناول الموضوع متحدثان يمثلان تيارين إسلاميين، هما النائبان السابقان د. فهد الخنة ويمثل التيار السلفي ومبارك الدويلة ويمثل الحركة الدستورية، اللذان دافعا بطبيعة الحال عن أسلمة القوانين وعن تعديل المادة الثانية أو المادة (79) من الدستور، وكان بعض ما قاله النائب مبارك الدويلة أن 46 نائبا في مجلس 81 تقدموا بطلب تعديل المادة الثانية من الدستور.لماذا ألغى مجلس 81 العمل بالشريعة؟وبعبارة أخرى لماذا صوت مجلس الأمة في الفصل التشريعي الخامس (81ـ 1985) بالموافقة على المرسوم بإصدار القانون المدني؟ وهو المرسوم الذي نص في مادته الأولى على إلغاء العمل بأحكام المجلة العدلية التي كانت مطبقة في الكويت قبل العمل بالقانون المدني، وهي المجلة التي تقنن مبادئ الشريعة الإسلامية؟ فهل كان موقف هؤلاء الأعضاء موقفا متناقضا مع اقتراحهم "تعديل المادة الثانية من الدستور لتصبح الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ويقرون في الوقت ذاته إلغاء العمل بأحكام الشريعة الإسلامية بإلغاء العمل بمجلة الأحكام العدلية التي تضمها"؟، ألم يكن في مقدورهم بهذه الأغلبية (46 نائبا) أن يرفضوا إقرار القانون المدني الكويتي ليستمر تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في المعاملات؟ ما بين التجريد النظري والتطبيق العمليلم أجد في ذلك تناقضا لأنني أعتقد أن المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور، لا تعدو أن تكون إغراقا في التجريد النظري ومثالية نظرية غير قابلة لأن توضع في الممارسة والتطبيق، لأن هذه النظريات المثالية نابعة من الكليات التجريدية وليس من الواقع المليء بالتفاصيل والجزئيات، التي تتجدد يوما بعد يوم مع تقدم العلم، والقانون علم وصياغة، وقد توقف الاجتهاد في الفقه الإسلامي بعد أن رحل عن عالمنا آخر الأئمة الأربعة العظماء الإمام أحمد بن حنبل في عام 241هـ، وأصبح التابعون لهؤلاء الأئمة مقلدين.سيد قطب يجيب عن هذا السؤالولعل ما يساند هذه الإجابة ما جاء في كتاب "نحو مجتمع إسلامي" ومؤلفه سيد قطب، وهو أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والذي استشهد في سبيل دعوته وفكره، والذي يقول فيه "حتى الفروض النظرية التي افترضها الفقه الإسلامي وأجاب عنها لم تكن إلا من وحي هذه الحاجات، أو من وحي منطق البيئة التي أحاطت بهم والعصر الذي عاشوا فيه، والعلاقات والارتباطات الاجتماعية التي كانت سائدة في تلك البيئة وفي هذا العصر. وهذه النظرية العامة لا تقتصر على فقهاء الإسلام الذين عرفوا بهذا اللقب، إنما تشمل كذلك حتى صحابة رسول الله- بعد موته صلى الله عليه وسلم- فأبو بكر وعمر وعلي وابن عباس وابن عمر وإخوانهم- رضي الله عنهم- هم أكثر بصرا بشريعة الإسلام من غير شك، وأعمق إدراكا لمبادئها واتجاهاتها بلا جدال، ولكن تطبيقاتهم لهذه الشريعة لا تخرج عن تلك القواعد، وهي أنها جاءت تلبية مباشرة لحاجات البيئة ومقتضيات العصر، ولا يمكن أبدا أن تصبح جزءا مقدسا من الشريعة". وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.