أن تصحو يوماً من نومك فتكتشف أن وظيفتك مهددة، أن حسابك البنكي خال، أن ثلاجة بيتك يصفر فيها الريح، أن مشوارك متعذر لأنك لا تمتلك ثمن بنزين سيارتك، أن تضطر إلى "زُبَدِ الوعود"* تغسل به هموم أبنائك وتطفئ بها رغباتهم، تهرب إلى الزمن، تقول بعد يوم، بعد يومين، السنة القادمة، تجترّ الأيام لتخمد بها تطلعاتهم وشهواتهم الصغيرة. حقيقة لا أعرف طعم هذا الألم، أن تشتهي ابنتي لعبة أو يطلب ابني قيمة وجبة سريعة فتخونني يدي وتمتد خاوية تطبطب على قلوبهم المنكسرة عوضاً عن إمدادهم بالشهوة البريئة التي يرومون.
ولكن، ليس هذا الألم الحقيقي، هو لا يقارن بما تستقدمه الأيام عندما يكبر الصغار وتكبر رغباتهم وتطلعاتهم. يدرس صغيرك أو صغيرتك في مدرسة أهلية متواضعة المستوى، يثابرون، يتصارعون، ليس فقط مع التحدي الدراسي الطبيعي لكل الصغار، ولكن مع جبال من الهموم لا تليق بنضارة أعمارهم. تطلق المعاناة صافرة الإصرار، فيثابرون ويتفوقون، 80 في المئة، 90 في المئة، 99.8 في المئة، ثم... لا شيء. ينقطع الطريق فجأة بصغيرك كما تنقطع سكة قطار منطلق على سفح جبل هائل. تقف أنت خائر القوى، عاجزا بائسا وأنت تشاهد الصغير يترنح على حافة السفح، تمد يديك "انتظر يا صغيري، لا يزال هناك أمل"، لكن الصغير يكبر وأحلامه تكبر، وعندما لا تجد الأحلام منفذاً تتورم، وعندما لا تجد الأورام علاجاً، "تتخبث"، ومع الوقت تصبح هذه الأحلام سرطاناً يقتل صاحبه عوضا عن كونها أملاً يبث الحياة.تجدهم يدورون في الوزارات والمؤسسات الحكومية، يحملون شهادات تفوق أبنائهم، هذا 96 وذاك 98، يترجون أملاً هو حقهم الإنساني الذي لا مساومة عليه. يطوفون بالشهادات، لا تدري وأنت تنظر في وجوههم أفخرٌ عظيم هذا أم يأس فاحش؟! كيف لوطننا الكويت أن يحول فرحة وفخر واجتهاد فئة من ناسه إلى أسى وانكسار ويأس؟ لست أتكلم الآن عن الحق الإنساني الأصيل في التعليم، والعهود والمواثيق الدولية، وواجبات الدولة المدنية، أتكلم عن شيء أبسط وأعمق كثيراً، شيء يجب أن يكون عند كل إنسان من أكبر مسؤول إلى أصغره في الكويت، هذا التواصل الإنساني والاتصال الوجداني، كيف وأين ذهب هذا الشيء ليجعل قلوبهم خاوية ومشاعرهم متيبسة فيتكالبوا بقراراتهم، كلهم، بكل قوتهم و"هيلمانهم"، على هذا الصغير، فيطعنوا أحلامه بسيوفهم طعنة رجل واحد، ليتفرق دم الحلم بينهم، ويضيع الحق فلا تعود تعرف من قتله في مهده؟ قبل أيام ذهبنا، نحن "مجموعة 29" المكونة من سبع سيدات مهتمات بالعمل الإنساني، إلى وزارة التربية، درنا بين المكاتب نستجدي إجابة: كيف يحرم صغار "البدون" من دخول المدارس الابتدائية بجريرة أوراق لم تستكمل؟ من المجرم الذي تتم عقوبته؟ ومن المستفيد من هذه العقوبة التي يترتب عليها تشرد الأطفال في الشوارع عوضاً عن انتظامهم في المدارس؟ وكذا استجدينا إجابات أخرى: متفوقو "البدون" من خريجي الثانوية العامة... ما هو مصيرهم؟ هل سيعمل صاحب معدل 99 في المئة علمي في دكان متواضع في الصليبية بقية عمره؟ هل سيقف على قارعة الطريق يبيع بطيخاً لا يستطيع أن يحمله هرباً عند قدوم الشرطة؟ ما هذا القرار الذي يحرم الطفل والمتفوق من حقهما الإنساني الأصيل؟ لمصلحة مَن هذا القرار؟ ما هي عواقبه؟ هل يخبرنا أصحاب القرار وقد تلاقت قراراتهم التي أصبحت أكثر صرامة هذه السنة عن سابقاتها، لماذا؟ لماذا؟ تعمل "مجموعة 29" على التحضير لحفل تكريم للطلبة الفائقين "البدون" خريجي الثانوية العامة الذين حُرموا ليس فقط من حق استكمال الدراسة لكن حتى من بهجة التكريم البسيطة، وهو حفل لن يقدم ترفاً ولكن رسالة، وهو حفل يقصد به الإيعاز للمجتمع بمد يديه للتخفيف من هذه المأساة الرهيبة التي تخنق بظلامها بلدنا، وهو حفل يقصد به شكر المشاركين من أشخاص وجهات اختاروا أن يعطوا فرصة سرقت من الصغار غدراً، أشخاص وجهات تحملت مسؤوليتها وارتفع حسها الإنساني واختارت الإنسان قبل أي وكل شيء آخر.أطلب منكم قرائي الأعزاء المساهمة والمساعدة، نحتاج إلى تضافر الجهود لننقذ الأحلام، ليس أحلام الشباب والشابات "البدون" فقط، لكن أحلام وطننا ككل، مستقبله الذي ينتظر شبابه كله للمساهمة والبناء. شاركونا بناء الإنسان، فهو من يبني وطنه، شاركونا إنقاذ الأحلام، فهي التي تحقق المعجزات، شاركونا بناء جسر تعليمي متين ينقذ كل شبابنا وشاباتنا "البدون" من السقوط في هاوية اليأس، فبهم وبكل متفوق ومجتهد على أرض وطننا ننهض ونبني ونستمر.للتواصل إيميل: group29q8@gmail.coتويتر: @group29kw* من بيت للشاعر الرائع محمد مهدي الجواهري يقول فيه مخاطبا "الشعب": نامي على زُبَدِ الوعـود يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
مقالات
بانتظاركم
09-07-2012