صورة الشباب المصري

نشر في 19-08-2012
آخر تحديث 19-08-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري في الأسبوع الماضي ناقشنا حرفة الكتابة وسلطتها على العمل الفني الذي يتم بناؤه عليها، وهبوط مستوى العمل متى ما كان النص مهلهلاً، ورقي العمل المبني على نص جيد. وكان المثال الأول لعمل عبدالرحيم كمال في "الخواجة عبدالقادر". العمل الذي أرى أنه حظي بمشاهدة أكثر في رمضان هذا العام ومتابعة من شرائح واسعة هو عمل يوسف معاطي فرقة ناجي عطاالله والذي أدى الدور الأول فيه عادل إمام معتمداً على نجومية كبيرة لا ينكرها حتى المختلفون معه.

سأترك للزملاء النقاد الفنيين الجانب الفني من العمل وأركز على النص الذي أصدر كاتبه رواية تحمل اسم العمل. والكاتب يوسف معاطي سبق أن كتب نصوصاً سينمائية من بطولة عادل إمام، وهو ليس كاتباً مبتدئاً، إلا أنه في هذا العمل قدم لنا نموذجاً سيئاً للنص الكتابي حاول أن يقول من خلاله كل شيء، وفشل في أن يضبط حركة النص المتسع فتهلهل بصورة كبيرة وفقد خطه الدرامي المرسوم له.

أراد يوسف معاطي أن يقدم سلسلة من الأحداث المهمة الكبيرة في الحياة العربية السياسية والصراع الكبير في الشرق الأوسط بدءاً من الصراع العربي- الإسرائيلي، والعلاقة السياسية بين مصر وإسرائيل، مروراً بدول الصراع فلسطين وسورية ولبنان والعراق في مسلسل واحد. وكان بالإمكان حصر الفكرة في بؤرة من بؤر هذا الصراع الطويل على امتداد أكثر من نصف قرن بدلاً من الخوض في تفاصيل لم تستوفِ حقها في العمل الذي اقترب من الفانتازيا الرديئة نقيضاً لما خطط له من جدية البحث في أراضٍ شاسعة لهذا الصراع.

منذ بداية العمل الذي كانت فكرته محددة في سرقة أحد البنوك الإسرائيلية تجاوزت تلك الفكرة منطقية وعقل المشاهد، وأخذت الفكرة مسارات امتزجت فيها الجدية بالسخرية. وربما اقتنع المشاهد بأنه يشاهد عملاً كوميدياً تمت كتابته على مقاس الفنان عادل إمام، ولم يقتنع بأنه يشاهد عملاً جاداً سيصدر كرواية أدبية. فسذاجة الفكرة، فضلاً عن مشابهتها لأحد أعمال هوليوود والتي حاول الكاتب تطعيمها بجدية ممثلة في أحداث حروب غزة وجنوب لبنان، لم يكتب لها الثبات وكانت دائمة الانزلاق إلى مستوى أدنى من الصناعة الدرامية المتقنة.

حاول الكاتب أن يطرح رأيه في هذا الصراع مستخدماً صوت البطل الأول في العمل، والذي كان يقدم شرحاً للأحداث وكأنه مرافعة عن دور مصر في هذا الصراع، وهو دور لا يحتاج إلى تبرير. وفي المقابل قدم الشباب المصري بصورة ساذجة لا ترقى إلى درجة الوعي بمجموعة من الشباب المثقفين والرياضيين والمتدينين. وربما كنا سنقتنع لو كان أحد هذه المجموعة فقط يمثل دور الشاب الساذج، أما أن يكون جميع الشباب بهذه الصورة من السذاجة والجهل والسطحية فيبدو الأمر كأنه إهانة متعمدة للمصريين الشباب الذي قادوا ثورة يناير وأسقطوا النظام المصري.

تلك الصورة السطحية لشباب مصر، وبعيداً عن العمل السطحي الذي قدمه يوسف معاطي، لم يكن لها ما يبررها إلا إذا كان العمل الكتابي يهدف بشكل واضح إلى النيل منهم وهو يقدم شرائح متباينة منهم. فالحوارات المتبادلة والسلوك الحياتي الذي يمارسه الشباب في الرحلة ليست مبرراً، ولا تنزه الكاتب من القصد الذي وراء تلك الصورة التافهة للشاب المصري، وكأنه يعيش خارج دائرة هذا الصراع ولا يعرف حتى أطراف النزاع فيه.

back to top