ثورة مالالا
إن الرجال الذين حاولوا قتل مالالا يوسفزاي في التاسع من أكتوبر كانوا يعرفون ماذا تمثل، ذلك أن مشاركتها النشطة منذ سن الحادية عشرة في الحملات المطالبة بحق الفتيات في منطقتها في التعليم كانت معروفة على نطاق واسع.وفي حين حظيت جهود مالالا بالاستحسان في الغرب وبعض شرائح المجتمع الباكستاني، فإنها استقبلت بالاستياء الشديد من قِبَل القوى الظلامية المتخلفة حضارياً المسماة حركة "طالبان"، والتي تطلق على نفسها في باكستان مسمى "حركة طالبان" باكستان. والواقع أن اختيارهم لاسمهم لا يخلو من المفارقة، ذلك أن "طالبان"، وهي كلمة عربية الأصل، تعني الساعين إلى التعلم، في حين يتلخص هدف حركة "طالبان" الرئيسي في الإبقاء على المجتمعات المسلمة متخلفة، بحيث يمكن إقناعها بتبني رؤية للإسلام ترجع إلى القرن السابع الميلادي.
بيد أن التعليم، خصوصاً تعليم النساء، يحول دون تحقيق هذا الهدف، ولكن الهجوم على مالالا سيخلف على الأرجح تأثيراً مخالفاً تماماً لذلك المقصود من قِبَل أولئك الذين نفذوا الهجوم.فقد انضم العديد من الزعماء الدينيين إلى عاصفة الإدانة التي أعقبت الهجوم على مالالا، وفي إشارة تدلل على الوحدة، أصدر مجلس علماء أهل السنّة المسلمين في مدينة لاهور في شرق البلاد فتوى موقعة من قِبَل خمسين رجل دين، تقول إن المبررات التي يستشهد بها مهاجمو الفتاة "منحرفة" ولا أساس لها في الشريعة الإسلامية.ويبدو أن أنصار حركة "طالبان" فوجئوا إزاء ردود الأفعال الشعبية وفي وسائل الإعلام على الهجوم. ولقد ذكرت صحيفة "الفجر"، وهي أكبر الصحف الصادرة باللغة الإنكليزية انتشاراً في باكستان، أن حكيم الله محسود زعيم حركة طالبان في باكستان أمر جنوده باستهداف المؤسسات الإعلامية في كراتشي، ولاهور، وروالبندي، وإسلام أباد رداً على ذلك. وتناولت العديد من قنوات التلفاز اعتداءات حركة طالبان على المجتمع الباكستاني بالانتقاد الشديد، إذ إن المتطرفين يريدون إخراس الأغلبية الذين أفاقوا على التهديد الوجودي الذي يفرضه الإسلام الراديكالي على بلادهم.هناك اعتقاد واسع النطاق بأن حظوظ النساء الباكستانيات هزيلة للغاية عندما يتعلق الأمر بالحصول على التعليم، وهو انطباع صحيح إلى حد ما، فالمعدل الإجمالي لمعرفة القراءة والكتابة بين النساء منخفض بلا أدنى شك- أقل كثيراً من نظيره بين الرجال. ولكن معدلات تعليم الذكور وإلمامهم بالقراءة والكتابة ليست مرتفعة أيضاً، فعلى الرغم من أن باكستان من الدول الموقعة على أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية، التي تتضمن هدف تحقيق محو الأمية بالكامل بين البنين والبنات بحلول عام 2015، فإن البلاد بعيدة تماماً عن تحقيق هذا الهدف، حيث بلغت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين الذكور 70% ونحو 45% فقط بين الإناث في عام 2010.ورغم هذا، فعلى مدى فترة السبعة عشر عاماً التي امتدت من عام 1993 إلى عام 2010، ارتفع عدد الفتيات المسجلات في التعليم الابتدائي من 3.7 ملايين إلى 8.3 ملايين، وهذا يعني معدل نمو بلغ 6.7% سنوياً، وهذا يعادل مرتين ونصف المرة ضعف معدل الزيادة في عدد الفتيات اللاتي يدخلن الفئة العمرية المناسبة للالتحاق بالتعليم الابتدائي، ولكن حتى في ظل معدل النمو هذا فإن الفتيات يمثلن حتى الآن 44.3% فقط من إجمالي عدد الطلاب المسجلين في عام 2010. وفي التعليم العالي حققت المرأة الباكستانية تقدماً غير عادي في الأعوام الأخيرة، فقد سجلت حصتها في إجمالي الالتحاق بالكليات زيادة من 36% إلى 57% على مدى العقدين الماضيين، لترتفع بذلك من أقل من 15 ألف طالبة في عام 1993 إلى 436 ألفا في عام 2010. والآن تقترب نسبة النساء الحاصلات على تعليم عال من علامة الستين في المئة، نظراً لمعدل نمو سنوي هائل بلغ 28% في أعداد الملتحقات في عام 2010، مقارنة بزيادة 20% في عام 1993. ورغم العدد الكبير للغاية من الفتيات اللاتي ينقطعن عن الذهاب إلى المدارس الابتدائية، فإن عدد الفتيات اللاتي يكملن تعليمهن العالي كبير للغاية الآن.فهذا العام، سيتخرج نحو 750 ألف فتاة في معاهد التعليم العالي في باكستان، وإذا استمر معدل النمو الحالي، فإن عدد الفتيات اللاتي يكملن تعليمهن العالي قد يتجاوز 1.5 مليون فتاة بحلول عام 2015. لو كان مهاجمو مالالا قد نجحوا في قتلها فإنها كانت ستُنسى في نهاية المطاف، لتصبح ضحية أخرى من ضحايا الحرب التي يشنها المتطرفون في باكستان، وكان موتها سيضيف فرداً آخر إلى عشرات الألوف من الضحايا الذين قتلوا بالفعل في هجمات إرهابية في أنحاء البلاد المختلفة. إن بقاء مالالا على قيد الحياة- وربما تماثلها للشفاء التام- يشكل رمزاً نابضاً بالحياة لبلد مضطرب، فالآن سيصبح اسمها مرتبطاً بالتغيير الذي بدأ بالفعل في البلاد، والواقع أنه من غير المعترف به في كثير من الأحيان أن النساء في باكستان- على الأقل أولئك المنتميات إلى فئة معينة- يتلقين ذلك النوع من التعليم الكفيل بتمكينهن من الدخول إلى القطاعات الحديثة من الاقتصاد أو عالم المال والأعمال، ولكن في التعليم، تُحدِث الأرقام ثورة، والمتطرفون يدركون ذلك تمام الإدراك.* شاهد جاويد بركي | Shahid Javed Burki ، وزير مالية باكستان السابق، ونائب رئيس البنك الدولي سابقا، ويشغل حالياً منصب رئيس معهد السياسة العامة في لاهور.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»