الوحدة الوطنية شعار جميل يرفعه الجميع، وتردده وسائل الإعلام في كل حين، خصوصاً في الأيام الوطنية الكبرى، دون أن نرى له في الواقع شيئاً ملموساً، ودون أن نترجمه بأفعال تعين على تحقيقه أو تقربنا إليه. لا أدري إن كان السبب يعود إلى قصورنا في فهم معناه، أم أن الأمر عائد إلى اعتيادنا على فعل ما هو ضده... الوحدة الوطنية أيها الإخوة هي أن يؤدي الموظف عمله بتجرد ودون النظر في هوية المستفيد ولقب المراجع، وأن يقوم الطبيب بتقديم العلاج بمنتهى المهنية دون النظر إلى أصول المريض العائلية، وأن ينزع المسؤول عباءة الانتماء الاجتماعي بمختلف هوياته وأطيافه عند كل قرار، وينظر إلى المواطنة كأساس وحيد، ويتقيد بالقانون كمسطرة عادلة بين المواطنين، وهكذا الضابط في عمله والمدرس في مدرسته، والمهندس في ورشته، عندها فقط تتحقق الوحدة الوطنية، ونعرف معناها ونعيشها في وطن لا يحتمل أبداً شق الصف، وتفريق الكلمة، والانحيازات الصغيرة بكل صيغها ومفرداتها.

Ad

لاشك في أن ممارسات بعض أعضاء مجلس الأمة وأطروحاتهم وخطاباتهم تشكل معول هدم لهذا الشعار، بل هم يشجعون على إسقاطه من خلال ما تحمله خطاباتهم الفئوية والطائفية، رغم محاولتهم نفي ذلك، فالمتابع لجلسات المجلس وتصريحات بعض الأعضاء ولقاءاتهم الإعلامية، أو إن شئت الإعلانية، لن يجد فيها غير التعبير الفئوي والانحياز إلى الطرح الطائفي الذي يشق الصف ويضعف الوحدة ويفرق الجمع، بل حتى في الممارسة السياسية للرقابة والمحاسبة لأعضاء السلطة التنفيذية نجد هذا العامل ظاهراً وجلياً ولا يحتاج إلى جهد كبير كي تصل إليه، وهذا بالطبع يشكل أكبر العوائق في وجه تحقيق الوحدة الوطنية المنشودة.

* * *

لاشك في أن إجراء التحقيقات يقع في صلب اختصاص مجلس الأمة، للوصول إلى الحقائق التي تساعد على الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ومحاسبة المقصر وتبرئة المظلوم، لكني أطالب الإخوة أعضاء لجان التحقيق بالالتزام بالسرية وعدم استعراض القوة، وعدم تسريب أخبار ما دار في الاجتماعات، وعدم الإيحاء بالاتهامات حتى تكتمل التقارير وترفع إلى المجلس، ففي هذا ضمانة للجميع.