حتى لا يفشل الإبراهيمي!
إن كان النجاح غير مضمون فإن الأفضل للأخضر الإبراهيمي، الذي يتمتع بتاريخ طويل من الإنجازات الكبرى التي كان حققها عندما كان أحد رموز الثورة الجزائرية العظيمة، وعندما كان سفيراً لها في أكثر من دولة، ثم عندما أصبح وزيراً للخارجية بعد أكثر من ثلاثين عاماً من المساهمات الفاعلة الرئيسية في بناء الدولة التي جرى تغييبها 132 عاماً، ألا يُقدِم على هذه المغامرة الكبرى في ظل هذه الأوضاع المعقدة التي باتت تعيشها سورية، وفي ظل كل هذا التداخل الإقليمي والدولي في ما أصبح يعتبر قضية سورية. كان السبب الأول والرئيسي لفشل كوفي أنان أن مجلس الأمن الدولي لم يستطع توحيد موقفه إزاء ما يجري في سورية، وإن في الحدود الدنيا، وأن روسيا ومعها الصين، للأسف، قد بقيت تُحبط أي جهدٍ للأمم المتحدة لمعالجة هذه الأزمة، عندما كانت الأمور لم تصل بعد إلى كل هذه التعقيدات التي وصلت اليها، وعندما كانت طرق الحلول السياسية لاتزال آمنة وسالكة، بقدر ما كانت ولاتزال تشارك مشاركة فعلية بالخبراء وبالسلاح وبالذخائر في معركة بشار الأسد ضد شعب من المفترض أنه شعبه. وبالتأكيد أن الأخضر الإبراهيمي، بخبرته وبتاريخه الطويل في العمل السياسي، وبالنجاحات التي حققها في العراق وأفغانستان ولبنان، وفي قضايا أخرى كبيرة، يعرف هذا أكثر من غيره، ولذلك فإنه قد بادر، مع أنه في إجازة رمضانية في إندونيسيا، في ما يعتبر شرطاً مسبقاً للقبول بأن يخلف كوفي أنان في هذه المهمة الصعبة والمعقدة، إلى مطالبة أعضاء مجلس الأمن الدولي، أصحاب حق "الفيتو"، باتخاذ موقف موحد تجاه الأزمة السورية. إنها مهمة صعبة، والنجاح فيها ليس غير مضمون فقط بل هو مستحيل وغير متوقع على الإطلاق طالما أنه لا أمل بأن يكون هناك موقف موحد لأعضاء مجلس الأمن الدولي حول هذا النزاع الذي بات يتخذ طابع الحرب الأهلية، والذي اتخذ طابع المواجهة الإقليمية وتسديد الحسابات الدولية، فالمواقف غدت متباعدة جداً، ولعل ما زاد الطين بلَّة، كما يقال، أن النظام نفسه ممثلاً بالرئيس بشار الأسد أصبح مسلوب الإرادة، وغدا مجرد كرة صغيرة يجري تقاذفها في هذه اللعبة الإقليمية والدولية. إنه لا يمكن أن تغير روسيا، كما هو واضح، الموقف الذي اتخذته، وبقيت تتمسك به منذ بداية انفجار هذه الأزمة التي غدت مستفحلة وشائكة ومعقدة والمؤكد أنها، أي روسيا، ومعها الصين، للأسف، لاتزال مصممة على استخدام حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار لا يتطابق مع موقفها ومع حساباتها للمرة الرابعة والخامسة... والألف فالروس، بقيادة فلاديمير بوتين الذي يحلم بأن يستعيد أمجاد كل الذين سبقوه، إن في عهد إمبراطورية آل رومانوف، وإن في فترة الاتحاد السوفياتي "العظيم"!!، مصرون على الذهاب بهذا المشوار الدامي حتى نهايته، ولذلك فإن ما لا نقاش فيه أنهم لن يعطوا الأخضر الإبراهيمي ما لم يعطوه للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان رغم محاباته لهم، ورغم أنه وضع نفسه قبل استقالته في الدائرة التي يقف فيها هؤلاء ومعهم جمهورية الولي الفقيه الإيرانية. ولهذا ومن موقع الحرص على ألا يحرق الأخضر الإبراهيمي، الذي بقي يحقق النجاح تلو النجاح منذ أن كان ممثلاً نشيطاً للثورة الجزائرية حتى أصبح وزيراً للخارجية، وإلى أن حقق ما حققه في لبنان وأفغانستان والعراق وفي جنوب إفريقيا، تاريخه السياسي، ويفشل في مهمة محكوم عليها بالفشل بعدما وصل الصراع الإقليمي والدولي على سورية إلى هذا المستوى الذي وصله، أن يعلم أن كل هذا العنف يجتاح كل شبر من الأرض السورية من درعا في الجنوب حتى حلب وإدلب في الشمال، ومن البوكمال في الشرق حتى اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في الغرب.