وجهة نظر: أما آن لهذا الاقتصاد أن يزدهر؟!
لم يعد تردي البيئة الاستثمارية والتشغيلية في الكويت أو ما يواجه أنشطة القطاع الخاص من تحديات وعقبات بخافٍ على أحد، ولم يعد هذا التردي سراً تتداوله نخب من العارفين ببطائن الأمور، بل حقيقة يلمسها كل من له علاقة بقطاع الأعمال أو من يتعامل بالشأن الاقتصادي، بل وأكثر من ذلك، إذ بات أمراً تصدح به التقارير والمؤشرات الدورية التي تصدر عن المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة، حتى صار تذيل الكويت لقائمة دول مجلس التعاون في العديد من المؤشرات أمراً اعتيادياً لا يثير الاستغراب أو الاستهجان ولا يستحق عبء التساؤل عن الأسباب والمسببات بالنسبة الى البعض، أو لا يدفع البعض الآخر الى التساؤل لأنها واضحة وجلية.
تراجع الأداء الاقتصادي الكويت واحدة من البلدان الأربعة الأعلى دخلاً في منظومة دول مجلس التعاون، وواحدة من الدول القليلة التي تتمتع بفوائض مالية قياسية، وقد يكون من الطبيعي أن يأتي ترتيبها في مؤشرات الأداء الاقتصادي بين دول المجلس أولاً أو ثانياً أو ثالثاً أو رابعاً، ولكن أن يأتي خامساً أو أخيراً فهذا أمر لا بد وأن تكون له أسباب ومسببات. ولعلنا نتوافق في الرأي بأن غياب الرؤية الاستراتيجية أمر يأتي على رأس قائمة الأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة، ولعلنا نتوافق أيضاً على أن غياب التشريعات الملائمة فضلاً عن عدم الالتزام بما هو قائم منها، بل والتهاون المقلق في تطبيق القوانين هو أمر يزاحم غياب الرؤية الاستراتيجية في ترؤس قائمة الأسباب. كما قد نتوافق على أن من بين الأسباب المهمة لهذا التراجع غياب أو ضعف الرقابة حين يتطلب الأمر مثل هذه الرقابة من جهة والافراط في الرقابة المسبقة بل ومحاكمة النوايا حين يتطلب الأمر الحفز والتشجيع من جهة أخرى.المشهد السياسيولعلنا لا نجادل في أن أجواء السنوات القليلة الماضية الملبدة بغيوم صراع المصالح الآنية والضيقة التي وسمت المشهد السياسي في البلاد، والتي لم يتورع فيها الخصوم عن استخدام الوسائل غير المشروعة، والأدوات التي لا تمت الى الديمقراطية بصلة، قد عززت حالة عدم الاستقرار وعدم اليقين بالمستقبل وهي حالة غير مواتية بل ومتعارضة مع جهود التنمية الاقتصادية، بل حالة يصبح معها الشأن الاقتصادي في آخر سلم الأولويات وتتعثر معها المشروعات والمبادرات، بل ومسيرة الحياة الاقتصادية برمتها. هذا وغيره من أمور ترتبت على ما سبق مثل تدهور البنية التحتية للبلاد والتردي في مستوى الخدمات العلاجية والخدمات التعليمية وخدمات الرعاية السكنية وخدمات الطرق والمواصلات يشعرني كما يشعر كثيرين بالاشفاق على من يتصدى لتحمل مسؤولية الملفات الاقتصادية الشائكة، حيث صارت عملية الاصلاح الاقتصادي أشبه بعملية الحفر في الصخر. وما يزيد من ثقل المسؤولية أن بلدانا شقيقة مجاورة في منظومة المجلس تسابق الزمن من أجل تحقيق قصب السبق في كافة المجالات الاقتصادية. اليوم، وقد انقضت سنة كاملة على دعوة صاحب السمو أمير البلاد للجنة استشارية عليا لبحث المعضلة الاقتصادية في البلاد، وبعد مضي أكثر من ستة شهور على رفع توصيات تلك اللجنة، أما آن لنا أن "نتعشم" الدفع بمرسوم أو قرار تنفيذي يضع آليات تلك التوصيات موضع التنفيذ، لاسيما ما يتصل منها بتصحيح مسار الموازنة العامة للدولة وتفعيل دور القطاع الخاص في تحمل مسؤولياته ومعالجة الاختلالات التي تعوق مسيرة الاقتصاد الوطني.