«الأغلبية» مطالبة شعبياً بعدم إضاعة الوقت في الظهور الإعلامي والتصريحات اليومية في كل شاردة وواردة، بل الاستعجال في إنجاز بعض مشاريع القوانين التي تصب في اتجاه الإصلاح السياسي وتحظى بتأييد شعبي متنام.

Ad

كما ذكرنا من قبل فإن ما يسمى إعلاميا "الأغلبية البرلمانية" ليس سوى عدد كبير من النواب أغلبهم ينتمي إلى كتل برلمانية قائمة لها "برامجها"، أي أنهم غير متجانسين فكرياً وسياسياً، أو حتى متفقين على برنامج سياسي محدد، لكنهم متوافقون حول خطوط عامة أو أولويات تشريعية "مشاريع قوانين"، يواجه إقرارها حتى الآن عقبات؛ بعضها من صنع أعضاء منتمين إلى ما يسمى "الأغلبية".

بكلمات أخرى، فإن "الأغلبية" تشابه إلى حد كبير "تكتل الكتل" الذي سبق أن أُعلن عنه في مجالس سابقة، لكنه مع الأسف لم يحقق تطويراً ملحوظاً في العمل البرلماني، أي أنها ليست أغلبية برلمانية حقيقية كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية لأسباب كثيرة ذكرناها في مقالات سابقة.

لكن رغم كل المشاكل والعقبات التي تواجه كتلة "الأغلبية"، وعلى الرغم أيضاً من الملاحظات التي يمكن أن تقال عن طريقة تشكيلها أو الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى أسلوب عملها، فإن وجود تنسيق بين عدد كبير من النواب حول الأولويات التشريعية يعتبر بحد ذاته تطوراً إيجابيا في عمل مجلس الأمة سيؤدي حتماً، في حال نجاحه، إلى ترشيده وجعله مؤسسياً، مع ملاحظة أنه وللمرة الأولى في تاريخ المجلس تكون "الأغلبية" في الصف الآخر "المعارض" للحكومة، وهذا ما يميزها عن "تكتل الكتل".

صحيح أننا نستخدم مصطلح المعارضة مجازاً، أيضاً، لكنها تبقى غير متوافقة تماماً مع خط الحكومة، أي ليست دائما في "جيب" الحكومة.

من هنا وأخذاً في الاعتبار طبيعة التركيبة الفكرية والسياسية لـ"الأغلبية" وطبيعة العمل السياسي والبرلماني لدينا التي تجعل النائب أسيراً للحسابات الانتخابية الضيقة التي ترتكز على العمل الفردي، إذ لاحظنا ذلك بوضوح على تصرفات بعض أعضاء "الأغلبية"، خصوصاً عندما سُرب خبر احتمال حل المجلس، فإنه يجب عدم المبالغة إعلامياً بالدور المعارض للأغلبية لأن ذلك لا يخدمها بل يضع عليها قيوداً وأعباءً إضافية لن تستطع مواجهتها، وسيرفع، بالتالي، من توقعات الناس ويزيد من إحباطهم.

أضف إلى ذلك أن تصوير "الأغلبية" على أنها مجموعة متجانسة فكرياً وسياسيا أو محاولة بعض الأطراف داخلها التحكم بها وتوجهيها على اعتبار أنها أغلبية حزبية تتحرك ضمن خط سياسي معين وبرنامج محدد لا يخدمها أيضاً، بل إنه قد يسهل من عملية انتقادها ويعجّل في تفككها.

على الطرف الآخر فإن من الظلم تحميل "الأغلبية" وحدها مسؤولية الإصلاح السياسي الجذري والشامل، حيث إنها هي ذاتها نتاج للمنظومة السياسية التي تعاني الفساد، ناهيكم عن أن لذلك متطلبات كثيرة تتحمل الحكومة خصوصاً والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الشبابية عموما جزءاً كبيراً منه.

لكن ورغم كل ما سبق فإن "الأغلبية" مطالبة شعبياً بعدم إضاعة الوقت في الظهور الإعلامي والتصريحات اليومية في كل شاردة وواردة، بل الاستعجال في إنجاز بعض مشاريع القوانين التي تصب في اتجاه الإصلاح السياسي وتحظى بتأييد شعبي متنام مثل قوانين إصلاح النظام الانتخابي، وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات وأخرى للنزاهة، وإشهار الهيئات السياسية وقانون استقلالية القضاء ومخاصمته... فهل نرى ذلك قريباً أم أن "الأغلبية" ستنجر وراء الأصوات المتزمتة داخلها فتركز على مشاريع القوانين المناقضة للدستور، والتي تثير انقساماً شعبياً فتنشغل وتشغل الناس معها في لجة التفاصيل اليومية والتكتيكات الانتخابية؟!