البيروقراطية... تعوق تصوير الأفلام الأجنبية في مصر
رغم أن تاريخ مصر في صناعة السينما هو الأقدم بين دول المنطقة ورغم عراقة آثارها التي ظلت فترة طويلة مقصد المخرجين الأجانب الذين يرغبون في تصوير أفلامهم في الشرق الأوسط، لوحظ في الفترة الأخيرة هروب صانعي هذه الأفلام من مصر ولجوئهم إلى التصوير في دول أخرى.
يعزو الناقد نادر عدلي ظاهرة تصوير الأفلام في دول غير مصر إلى البيروقراطية، ذلك أن الأجهزة الحكومية المصرية تضع معوقات وعراقيل أمام تصوير الأفلام الأجنبية في مصر، ما أضاع على الأخيرة ملايين الدولارات ودفع صانعيها إلى البحث عن بديل، فقدمت المغرب تسهيلات وأقامت مدينة تصوير مفتوحة وصممت مدينة فرعونية فيها مجسم للهرم وأبو الهول لجذب هذه الشركات إليها، ما أتاح لها فرصة الحصول على هذه الأموال التي يخصص 80% منها للدولة ويتم إنفاق 20% منها على صناعة السينما.يضيف أن هذه النسبة البسيطة ساهمت في إنتاج 15 فيلماً روائياً طويلاً و80 فيلماً روائياً قصيراً شاركت جميعها في مهرجانات دولية، بالإضافة إلى تنشيط السياحة وتشجيع الاستثمار واكتساب خبرات سينمائية نتيجة الاحتكاك بخبرات من دول أجنبية.
يتابع عدلي: «فرطنا في الفوائد كافة من دون مبرر سوى جهل المكاسب التي تعود على الدولة والصناعة نتيجة تسهيل تصوير الأفلام الأجنبية في مصر».شروط مستعصيةفي السياق نفسه، تلاحظ الناقدة حنان شومان أن السلطات المصريّة وضعت شروطاً لا يقبل بها أي منتج أو شركة ترغب في التصوير في مصر، من بينها عرض النص على الرقابة قبل إعطاء الموافقة على التصوير، في حين أن القيمين على هذه الأفلام لا يعترفون بالرقابة من الأساس، ولا توجد رقابة على الأعمال الفنية في بلادهم، فكيف يرضون بها في أي مكان آخر؟تضيف: «ثمة أماكن ممنوع التصوير فيها حتى على الأفلام المصرية أبرزها الأماكن الأثرية، وهذا سبب رئيس في اختيار مصر للتصوير فيها، بالإضافة إلى المغالاة في المبلغ الواجب دفعه لقاء التصوير اليومي الذي يصل إلى أرقام فلكية، ما جعل القيمين على هذه الأفلام يبحثون عن بديل في المنطقة، حيث التسهيلات الكبيرة».تهجيريعزو المنتج والسيناريست محمد حفظي ابتعاد السينمائيين الأجانب عن التصوير في مصر إلى أن المنتج يمرّ على 42 جهة، بالإضافة إلى تعقيدات رقابية وصعوبة استخراج تصاريح ورسوم النقابات الفنية المبالغ فيها والاضطراب الأمني والعقبات والرسوم التي تفرضها الجمارك على استيراد المعدات.يضيف حفظي: «هرّبت هذه التعقيدات المخرجين الأجانب إلى المغرب والأردن ودبي، ففي المغرب مثلا هيئة لتصوير الأعمال الأجنبية مهمتها تسهيل تقديم التسهيلات لصانعي الأفلام، الأمر نفسه بالنسبة إلى الأردن والإمارات». تتلخص العقبات، في رأي المنتج إيهاب أيوب، في المحاذير الرقابية الثلاثة: الدين والسياسة والجنس، يقول: «لا يعترف المنتج الأجنبي بأي رقابة، ثم تختلف طريقة تقييمنا أعمالنا عن طريقة الغرب، والمشكلة الأخرى هي البيروقراطية، إضافة إلى الرسوم الجمركية الباهظة المفروضة على المعدات الخاصة بالتصوير والملابس، وكنا نتحايل على ارتفاع القيمة الجمركية بتقليل قيمة المعدات، ثم يفرض قانون النقابات على كل ممثل أو فني أجنبي يصور في مصر نسبة تصل إلى عشرة آلاف دولار في اليوم ورسوماً باهظة للتصوير في الأماكن الأثرية».خسارةيحمّل الناقد السينمائي علي أبو شادي جهات كثيرة مسؤولة هذه المعضلة، ويطالب بإعادة النظر في مفهوم التعامل الرقابي، قائلاً: «صانعو الأفلام الأجانب يهربون من مصر إلى غيرها من بلدان عربية ومصر هي الخاسرة الوحيدة».يضيف: «تفرض نقابة السينمائيين رسوماً على الفنانين والفنيين، وإن كان يعتقد أن هذه المشكلة تم حلها إلى حدّ ما، من خلال الحصول على مبلغ واحد لكل فريق العمل لكل أسبوع تصوير في مصر. أما المشكلة الأخطر فهي الجمارك التي تصرّ على رسم ضخم على معدات التصوير الأجنبية مع أن هذه المعدات والأجهزة ستخرج من مصر فور الانتهاء من التصوير. يتابع أبو شادي: «تطلب الجمارك من الشركة المصرية الوسيطة خطاب ضمان بقيمة تعادل ثمن هذه المعدات، فيما في المغرب مثلاُ ثمة اهتمام على أعلى مستوى بهذ الصناعة، ويذلل الملك بنفسه أية عقبات، ويلتقي مع النجوم الأجانب لجذب السياحة. هكذا حققت المغرب دخلا يقترب من مليار دولار سنوياً، بينما لا تجني مصر من تلك الصناعة أكثر من مليوني دولار في العام» .رفضتؤكد الناقدة ماجدة موريس أن الرقابة على المصنفات الفنية اعتادت رفض سيناريوهات لأسباب بدت لكثير من المنتجين غير مقبولة، وانتهى الأمر بتصوير هذه الأفلام في دول عربية أو شرق أوسطية أخرى، وبعد إنتاجها تدخل مصر من خلال الموزعين لتعرض على الجمهور، وبدلا من أن يتحقق لمصر ربح منها يعود الربح إلى المنتج وحده.تضيف: «غالباً ما يعترض الرقيب المصري المرافق لفريق العمل الأجنبي الذي يصور في مصر على تصوير مشاهد معينة، ما يسبب عدم عودة المخرجين الأجانب إلى مصر»·بدوره يشير رئيس المركز القومي للسينما كمال عبد العزيز إلى أنه«لا بد من أن تقتنع الجهات الحكومية بأن التسهيلات مهمة لأنها تساعد على تنشيط السياحة والاستثمار، ولا بد من إزالة القوانين التي من شأنها هروب الأفلام إلى دول أخرى، ذلك أن الخاسر الوحيد هو مصر».