طالب رئيس وزراء إقليم كردستان الحكومة العراقية بتحمل مسؤوليتها التاريخية المباشرة عن عمليات الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأكراد في عمليات القصف الكيماوي على مدينة حلبجة الكردية عام 1988، والتي راح ضحيتها 5 آلاف إنسان بريء، وعن حملات «الأنفال» العسكرية (ثماني حملات منظمة، قتل من جرائها أكثر من 180 ألف كردي طمراً في التراب وهم أحياء) التي شنها نظام صدام حسين المقبور في نفس العام. وأبدى إصراره على تقديم اعتذار رسمي لشعب كردستان وتعويض المتضررين حسب لوائح القوانين الدولية المعمول بها، باعتبارها الوارث الشرعي للحكومة السابقة كما في حالة «ألمانيا» النازية عندما أجبرت على الاعتذار من الشعب اليهودي ودفع تعويضات للمتضررين والتي ما زالت تدفع حتى الآن، وحالة «اليابان» التي قدمت اعتذاراً رسمياً لشعب «كوريا» وحالات أخرى مشابهة كحالة العراق مع الكويت مثلاً. ولم يكد رئيس وزراء الإقليم، نيجيرفان بارزاني، يصرح بذلك حتى جن جنون الشوفينيين في بغداد وعلت صيحاتهم مستنكرين الموقف «العدائي» للزعيم الكردي تجاه العراق والعراقيين، وبدؤوا بشن حملة شعواء ضده في وسائل الإعلام ووصموه بشتى التهم التقليدية الجاهزة مثل «الانفصالي» و«المتمرد»، وعدو الوحدة الوطنية وغيرها، ولم يقفوا عند هذا الحد بل نقلوا الأمر إلى داخل قبة البرلمان ودخلوا في مشادات كلامية حامية مع النواب الأكراد. وكان من أشد المناهضين للطرح الكردي النائب عن دولة القانون «القاضي» محمود الحسن الذي رفض أن يقارن العراق بـ«اليابان» عندما اعتذرت لـ»كوريا» نتيجة غزوها الاستعماري لها باعتبار أنهما دولتان منفصلتان، ولكون كردستان غير منفصلة عن العراق حتى الآن، يسمح لنظامها القمعي- بحسب نظرية النائب المحترم- أن يفعل بشعبها ما يحلو له دون رقيب أو حسيب! وإن كان شعباً قائماً بذاته مختلفاً عن الشعب العراقي أرضاً ولغة وثقافة كالشعب الكردي، وله وضع خاص بحسب القرارات التي اتخذتها عصبة الأمم (الأمم المتحدة الحالية) عام 1925عندما ألحقت كردستان بالدولة العراقية والتي تقضي «بمعاملة الأكراد معاملة خاصة» و«... لتضمن للأكراد الوضعية التي هم أهل لها وينظر إليها بنظر الاعتبار وتوضع موضع التنفيذ دونما نقص أو تباطؤ». أما وقد اخترقت هذه التوصيات والقرارات بالشكل السافر طوال العقود الماضية من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة وارتكبت بحقهم جرائم كبرى وتعرضوا لحملات الإبادة الجماعية «الجينوسايد»، وإزاء تملص الحكومة العراقية المتكرر من القضية وعدم تحمل تبعاتها الأخلاقية والقانونية، فإن من حق القادة الأكراد أن يطرقوا أبواب الدول الأوروبية والأمم المتحدة ويدعونها إلى تعريف هذه الجرائم بـ»جرائم إبادة جماعية»، فلا يجوز أن نتساهل في هذا الأمر الخطير، وندعه يمر مرور الكرام، كما نفعل دائماً تحت الشعار الخالد «عفا الله عما سلف»، وندعه للزمن لكي ينسى، وسرعان ما نجد جريمة أخرى أكبر وأتعس تنتظرنا، وهكذا الحال، نعفو ونرخي ويزداد المجرم صلافة وقمعاً، ننسى ونصفح والمجرم يحقد ويثأر، وهكذا دواليك جريمة تجر جريمة، ما إن نخرج من جريمة حتى ندخل في أخرى ألعن وأشرس، الوجوه تذهب والأنظمة تتوالى والمجرم الحقيقي مازال باقياً يخطط، ويعيد نفسه من جديد إلى جرائم جديدة وكوارث أخرى، قد تعيد الكرّة مع الأكراد أو مع الكويت أو مع أي أحد آخر ليشفي غليله ويعيد إليه أمجاده الزائفة، وهذا المجرم العتيد هو الدولة العراقية «مصنع تفريخ الأنظمة الإرهابية»، هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عمّا ترتكب أنظمتها وقادتها من جرائم بحق الشعوب العربية والشعوب الأخرى المسالمة، إنه مجرم خطير لا يؤمن جانبه، والذين يحاولون أن يطلقوا سراحه من قيوده «المجتمعية» من خلال إخراجه من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إنما يلعبون بالنار، لا يعلمون أنهم بذلك سيطلقون المارد من قمقمه ليعيث ثانية في الأرض فسادا ويحصد الآمنين... سيندمون ولكن بعد فوات الآوان.
مقالات
الدولة التي تنتج الأنظمة القمعية
09-06-2012