لعل السؤال أعلاه مستفز بعض الشيء، ولكنني أؤمن بأنه قد بات سؤالاً يستحق الطرح اليوم في ظل الظروف الإقليمية العاصفة التي تشهدها المنطقة المحيطة بنا، وفي خضم ثورات الربيع العربي المتلاحقة وتساقط الأنظمة بلا هوادة، وأعتقد أنكم ستتفقون معي أن الهرب من مواجهة الأسئلة المزعجة المستفزة لا ينفي وجودها ناهيك عن أن يميتها، وأنه من الأفضل لها أن تطل برأسها تحت النور بكل شفافية خيرٌ من أن تثار في الغرف المغلقة، كما أن إجابة هذا السؤال من الأهمية بمكان لأبناء الأسرة أنفسهم قبل غيرهم، ومن المفيد جداً لذلك أن يطرح ويقلب على وجوهه.

Ad

وأطرح هذا السؤال بعدما كثر الحديث عن أهمية أن يكون رئيس الحكومة من الشعب من خارج أبناء الأسرة، وبعدما تعالت الأصوات المطالبة بذلك، واحتمالات إجابة هذا السؤال لا تخرج عن أربعة في تقديري: أولاً: أننا نتمسك بهذه الأسرة لتمسكنا بالدستور الذي جعل الحكم في ذرية الشيخ مبارك، وأعطى بذلك لهذه الأسرة هذه المكانة والتقدير، ثانياً: أننا نتمسك بها من باب الولاء الناتج عن العاطفة المجردة، وشيء من الاعتياد باعتبار أننا وجدنا هذه الأسرة في سدة الحكم منذ عقود طويلة، ثالثاً: أننا نتمسك بها لحسن إدارتها لشؤون الحكم والقيادة، رابعاً وأخيراً: أننا نتمسك بها خوفاً وقلقاً من البديل. وهذه هي كل الاحتمالات الممكنة التي لم أجد غيرها شيئاً، وسأناقش كل واحدة منها على حدة. لعل الاحتمال الأول هو الاحتمال الأكثر قرباً من فكرة مؤسساتية الدولة، ولكن الواقع وكما رأينا قد جانب هذا الأمر في كثير من الأحيان، والدليل على ذلك هو عدد المرات التي تم فيها تجاوز الدستور والقفز عليه نصاً وروحاً، سواء على يد الحكومات المتعاقبة التي لم يرأسها في يوم من الأيام أحد من غير أبناء هذه الأسرة أو من غيرهم.

كما أن الدستور، وبشهادة أهل الاختصاص، فيه من الثغرات والمثالب وعدم الوضوح ما كان يستوجب تطويره وتعديله منذ سنوات لأجل تحصينه، انطلاقاً من فكرة أنه وثيقة بشرية غير مقدسة أساساً، ولكن هذا لم يحصل في يوم من الأيام، بل لم تبدر أي رغبة حقيقية لذلك.

وبالتالي فإن هذا يجعلنا نتساءل إن كان التمسك بهذه الأسرة نابعا حقاً من تمسك مختلف أطراف هذا الدولة بالدستور، وهو الوثيقة التي نرى جميعا أنها لم تنل تلك العناية والرعاية الواجبتين من أي طرف، اللهم إلا التغني بوجودها كشيء رمزي.

أما الاحتمال الثاني فهو أننا نتمسك بهذه الأسرة في سدة الحكم من باب العاطفة والحب المجرد والاعتياد، والسؤال هنا: وهل يمكن الركون إلى العواطف أبداً، وهي المتقلبة المتغيرة بطبعها؟ وهل العاطفة لوحدها كانت كافية أبدا في أي مكان في الدنيا لتكوين ولاء حقيقي مستمر؟ في ظني أن الإجابة هنا واضحة جداً.

وأما الاحتمال الثالث، وهو أننا نتمسك بهذه الأسرة لحسن قيادتها وإدارتها لشؤون الحكم، والاحتمال الأكثر قربا من «التكنوقراطية» إن جاز لي أن أحشر هذه الكلمة عنوة في هذا السياق، بمعنى أننا لا ندين لهذه الأسرة بالحكم دون أساس، إنما لأن أبناءها أثبتوا حسن القيادة والإدارة على الأرض عاماً بعد عام. ولا أراني متحمساً هنا لاستدعاء التاريخ، إنما سأكتفي بالإشارة إلى أن أداء الوزراء من أبناء الأسرة في السنوات الأخيرة لم يقدم نموذجاً مقنعاً يمكن له يساند هذا الرأي، بل لعله قد قدم العكس تماماً.

الاحتمال الرابع والأخير، وهو أن الكويتيين يتمسكون بهذه الأسرة خوفا من البديل، وهذا الاحتمال له ما يسانده على الأرض، فالكويت اليوم تمر بحالة واضحة من التشرذم المجتمعي، والانقسامات الفئوية المتسعة، مهما حاول أي أحد أن ينكر ذلك، وما عادت توجد هناك روح وطنية جامعة يمكن الركون إليها باطمئنان، الأمر الذي خلق حالة من الترقب والقلق المتبادل بين جميع الأطراف، بدواً وحضراً وسنَّةً وشيعةً وغيرهم.

هذه الحالة الاستقطابية المتشنجة الواضحة تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يتقبل أي طرف من الأطراف فكرة أن يسود الطرف الآخر عليه في منصب رئاسة الحكومة، وبالتالي فإنه بالرغم من المطالبة المتكررة أخيراً بلزوم أن يصبح رئيس الحكومة من خارج أبناء الأسرة، فإن هذا الأمر وعندما يوضع على محك التطبيق سيواجه مصاعب جمة.

وهذه الحقيقة ستجعلني أستدعي سؤالاً مطروحاً وهو: هل يا ترى هناك من أطراف الأسرة من يلعب على وتر استمرار هذه الحالة المجتمعية المتشققة، لأجل استمرار التمسك بالأسرة؟ هذا سؤال مهم. أثرت هذه التساؤلات اليوم هنا لأنه وكما أسلفت يجري تداولها وطرحها في الدواوين والمنتديات، ولأني رأيت أن الوضوح والمصارحة أجدر من ذلك، فهما حالة صحية لأجل هذه البلاد ولمصلحة أسرة الحكم أيضاً، ولأن ممارسة التفكير بأريحية وبصوت عال ستجعلنا، بل سأقول ستجعل أسرة الحكم تضع يدها على مكمن الخلل وتعالجه، إن كانت راغبة في ذلك حقاً ما دامت الفرصة لا تزال سانحة.