حتى لا يفشل الأخضر الإبراهيمي وحتى "لا تُكسَر عصاته من أول غزواته" فإن عليه أن يتمسك بشرطه بأنه لا يمكن أن يقبل المهمة التي أُفشل فيها سلفه كوفي أنان ما لم يكن هناك اتفاق في مجلس الأمن على كيفية معالجة الأزمة السورية وإجبار الرئيس بشار الأسد على التنحي، وما لم يكن هناك تفاهم، يضم روسيا والصين، على هذا التنحي الذي أصبح لا حل بدونه، وعلى المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تُفضي إلى انتخابات حرة وديمقراطية بإشراف دولي يقرر فيها الشعب السوري مصيره بنفسه، ويبني دولته المنشودة على أنقاض نظام استبدادي دمَّر البلاد والعباد على مدى أربعين عاماً وأكثر.

Ad

والمؤكد أن الأخضر الإبراهيمي، هذا الدبلوماسي المخضرم المبدع، يعرف أن ترحيب النظام السوري ومعه روسيا وأيضاً الصين وإيران به وبمهمته هو من قبيل ذرِّ الرماد في العيون ومن قبيل فتح أبواب المماطلات مجدداً للاستفادة من عامل الوقت، وذلك على غرار ما حصل مع كوفي أنان الذي أُدخِل في دوامة الرحلات المكوكية المعروفة بين دمشق وطهران وموسكو، والتي كانت بمنزلة القفز في المكان ذاته فوق حبل مشدود وانتهت إلى الفشل الذريع بدون إنجاز ولو بنداً واحداً من خطته ذات الستة بنود، والتي تجاوزها الزمن، ولا يجوز بذل أي جهد وإضاعة أي وقت لإنعاشها لأن الله وحده هو الذي يحيي العظام وهي رميم.

لا تزال روسيا على الموقف نفسه الذي بقيت تتمسك به منذ بداية هذه الأزمة التي تحولت إلى حرب طاحنة أعطاها هذا النظام طابعاً طائفياً ومذهبياً بغيضاً، والمفترض أنه بات معروفاً ومؤكداً أن فلاديمير بوتين ومجموعته لا يَصْدقون في حرف واحد عندما يُشْعِرون المجتمع الدولي والعالم بأسره أنهم أصبحوا جاهزين للتخلي عما بقوا يتمسكون به وأنه بات لديهم استعداد لـ"بيع" بشار الأسد ونظامه وفق معادلة تحفظ له أمنه وبخاصة في المرحلة الانتقالية التي هناك إشارات واضحة إليها، إن في خطة أنان السالفة الذكر، وإن في ما تم التوافق عليه في مؤتمر جنيف العتيد الذي عقدته مجموعة العمل الدولية حول سورية في مطلع يوليو الماضي وغاب عنه وزير الخارجية الروسية.

ولذلك عندما يستقبل لافروف تكليف الأخضر الإبراهيمي بالمهمة التي كان فشل فيها سلفه كوفي أنان بسبب الألاعيب والمناورات الروسية بالدعوة إلى العودة إلى مؤتمر جنيف الآنف الذكر وإلى مقرراته، فإنه في حقيقة الأمر يسعى إلى استنزاف الوقت وإعطاء نظام بشار الأسد المهلة التي يريدها لاستكمال عمليات الدمار وعمليات ذبـح الشعب السوري التي لم تستثنِ ولا مدينة واحدة من المدن السورية، والتي تحولت إلى مجازر على غرار ما شهدته في هذا المجال أبشع وأسوأ مراحل وحقب التاريخ القريب والبعيد.

إنه لا ضرورة إطلاقاً لأن يذهب الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق ما لم تتوقف عمليات ذبح الشعب السوري في هدنة زمنية يتم الاتفاق عليها، وما لم يغير الروس موقفهم الحالي ويتخلوا عن تدخلهم العسكري السافر في الشؤون الداخلية السورية ويلتزموا سلفاً باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لممارسة ضغط جدي على بشار الأسد ونظامه ليوقف كل هذه المذابح الهمجية التي يرتكبها، ويبدي استعداداً جدياً للتنحي والمغادرة وفقاً لما ورد في المبادرة العربية، ولما جاء في خطة أنان، وما تضمنه البيان الصادر عن مؤتمر جنيف الأخير الذي عقدته مجموعة العمل الدولية.