الأغلبية الصامتة: العيلة
رحم الله الأجداد، الأحياء منهم والأموات، وغفر لهم مغفرة واسعة فهم محطة اللقى وبوتقة الحنان ومنبع الأوامر والأحكام التي لا تنقض أو ترد.بيت "العيلة" الذي ينوره الجد والجدة بحضورهم الباسم وسؤالهم اللحوح المنثور على الجميع وعن الجميع، له نكهة لا يعرفها إلا من فقدها وعاش لحظات التفكك والانشطار في الجسد الكبير لحظة بلحظة، لا يدركها إلا من شهد صعود الرؤوس الصغيرة التي تحاول سد فراغ "الكبار" عندما يغيبون أو يتأرجحون بين عالمي الأحياء والأموات، ولا يسعد في تلك الأيام الصعبة غير الموعودين بالكبير القادم بحكم فن القيادة وسعة الصدر والقدرة الفائقة على جمع الخيوط ورص الصفوف.
الجد والجدة في العائلات "العادية" لا يورثون القيادة وعهد الحفاظ على البيت الجامع لأحد حتى إن سعوا لذلك، فبمجرد غيابهم تبدأ مطالب الورثة بــ"الحلال" وهذا حق "والحق ما ينزعل منه" والنهاية معروفة يتفرق الأخوة والأخوات ويصد أبناء الخال والخالة والعم والعمة عن بعضهم بعض كأن الأيام والسنين لم تجمعهم في بيت واحد وحول مائدة واحدة وداخل إطار صور قديمة تجمدت فيها لحظة فرحة غائرة في القلب. الجد والجدة في العائلات "غير العادية" يعيشون هم تفكك الشركة الواحدة القوية وذوبان الصلات النافذة التي نسجوها خيطاً داخل خيط، وهناك من العائلات "غير العادية" عاشت غم ضياع "الصنعة" التي توارثها الأجداد واكتسبوا اسم "العيلة " منها، هل تعرفون اسم عائلة خليجية اشتهرت بصناعة نوع من الحلويات لسنوات طويلة وهي لا زالت موجودة إلى اليوم ولكنها تباع تحت أسماء كثيرة تنتهي كلها بإسم الجد المؤسس؟ ستفهمون قصدي بالتأكيد.هناك عائلات "غير عادية" تمارس الحكم وترمز لوحدة البلاد واجتماع وإجماع العباد من حولها، هذه العائلات بيتها الجامع ليست مثل بيوتنا وعمود خيمتها ليست مثل عواميدنا لأنها مصدر الاستقرار و"المفتاح الرئيسي" الذي يفتح كل الأبواب المغلقة عندما تتشابك السلطات ويتطاحن الفرقاء، مثل تلك العائلات، خلافها محرم وصراعها مجرم وداخلها يبقى داخلها وخارجها لا يكون إلا بالصورة الجماعية والابتسامة العريضة، إن الهزة التي تصيب مثل تلك العائلات تضرب في كل الأرجاء وتفتح أبواباً وأطماعاً ما كان لها أن تفتح لولا تلك الهزة.لقد فاضت كتب التاريخ بسير الدول والممالك التي انهارت ولم ينقصها من القوة والعتاد شيئاً إلا أن "بيت العيلة" فيها تهشم من الداخل وسقطت من بعده أركان الدولة.وأختم بما استفتحت به، رحم الله الأجداد، الأحياء منهم والأموات، وغفر لهم مغفرة واسعة فهم محطة اللقى وبوتقة الحنان ومنبع الأوامر والأحكام التي لا تنقض أو ترد.