جهتان حرصتا على إعطاء الثورة السورية صفة الإرهاب و"القاعدة" وما يسمى التنظيمات "الجهادية"، الجهة الأولى هي نظام بشار الأسد الذي أراد منذ البدايات أن يقنع العالم بأنه يقاتل منظمات إرهابية، وأنْ يبرر العنف المفرط الذي يستخدمه ضد شعبه، أما الجهة الثانية فهي الغرب المتخاذل الذي شارك هذا النظام في تعزيز ادعاء أن هناك منظمات إرهابية قد دخلت على خط الصراع في سورية، وأن مستقبل هذا البلد سيكون نسخة أُخرى عما جرى ولا يزال يجري في أفغانستان، وأيضاً عما جرى ويجري في العراق.

Ad

وبالطبع فإن تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، وفي مقدمتها "السلفيون" والإخوان المسلمون، قد بادرت، مثلها مثل نظام بشار الأسد، إلى تضخيم دور ما يسمى المجموعات "الجهادية" والجماعات المتطرفة حتى بما في ذلك "القاعدة" واستنساخاتها، كي تختطف الثورة السورية كما اختطفت "ربيع" تونس ومصر، وكي تصادر تضحيات الشعب السوري وتقطع الطريق على إقامة دولة ديمقراطية تعددية على أنقاض هذا النظام الدموي والدكتاتوري الأرعن.

والحقيقة هنا أنه لا يمكن إنكار تسرُّب مثل هذه التنظيمات إلى سورية، ولكن في وقت متأخر جداً وبأعداد متفاوتة، ولكنها في كل الحالات متواضعة ومحدودة، ولم تصل إطلاقاً لا إلى مستوى الأرقام التي يتحدث عنها النظام، ولا إلى مستوى الدور الذي يشيعه "السلفيون" ويشيعه الإخوان المسلمون، ولا إلى السقوف التي يروّجها الإعلام الغربي، الذي يعكس مخاوف الغربيين من أن تكون سورية بعد إسقاط الأسد نسخة عن أفغانستان وعن العراق، وكل هذا لتبرير عدم دعم الجيش السوري الحر بالأسلحة التي تمكّنه من حماية المناطق التي يسيطر عليها من غارات الطائرات الحربية.

كان نظام بشار الأسد قد تحدث، منذ اليوم الأول لانفجار هذه الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة غدت تشمل البلاد كلها، لتبرير استخدامه العنف المفرط ضد أطفال درعا بالصورة المرعبة التي غدت معروفة، وأنه يتصدى لإرهابيين، وأنه يواجه تنظيمات متطرفة من بينها "القاعدة" جاءت من الخارج، والحقيقة أن هذا غير صحيح على الإطلاق، وأن هذه الثورة قد حرصت على أن تبقى في هيئة تظاهرات شعبية سلمية، رغم مواجهة هذا النظام لها بالحديد والنار وبالشبيحة والمغاوير وفيلق القدس الإيراني وبمقاتلي "حزب الله" اللبناني وبعض المتطوعين الطائفيين من العراق، مدة ستة أشهر متواصلة، إلى أن بدأت الانشقاقات في الوحدات العسكرية النظامية وظَهَرَ الجيش السوري الحر.

إن هذا هو واقع الحال، وإنه لا يمكن أن تبقى سورية، بعد كل هذه التضحيات وبعد كل أنهار الدماء الزكية التي سالت، لا دولة الحزب الواحد والقائد الأوحد ولا دولة "القاعدة" ولا أيٍّ من تيارات الإسلام السياسي التي تضخّم أدوارها كثيراً والتي تتسابق لاختطاف هذه الثورة كما اختطف الإخوان المسلمون ثورة ربيع مصر، وكما اختطفت نهضة راشد الغنوشي ثورة تونس والتي تتصدى الآن لتدمير كل إنجازات الشعب التونسي منذ الاستقلال حتى هذه اللحظة!