فجر يوم جديد: بابا في ورطة!

نشر في 17-09-2012
آخر تحديث 17-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب أراد موزع سينمائي شهير أن يُداهن التيار الديني، بعدما استشعر تنامي سطوته في المجتمع المصري، فما كان منه سوى أن أطلق شعار «السينما النظيفة»، الذي لا ينتمي مُطلقاً إلى أي من الاصطلاحات الفنية والأكاديمية، وفي محاولة يائسة منه لتفسير الشعار «الهُلامي» زعم أنها «السينما التي تخلو من العري والقبلات» وفي تفسير آخر: «السينما التي لا تخدش حياء العائلة»!

تفسير متهتك ومتهافت لم يصمد على أرض الواقع طويلاً، بعدما أدرك الجميع أن المروجين له، من موزعين ومنتجين وممثلين، نفرٌ من «المنافقين» والمصابين بـ «الشيزوفرينيا»، والدليل فيلم «بابا» بطولة أحمد السقا أحد فرسان «السينما النظيفة»، التي أوهمونا بها ردحاً من الزمن، وعلى رغم هذا يمثل أكبر انقلاب عليها، بإسقاطاته الجنسية الفجة، وابتذال أفكاره ومواقفه؛ فالفيلم الذي يناقش قضية تأخر الإنجاب ولجوء الأزواج إلى الحقن المجهري ينحرف عن مساره، وبدلاً من أن يعالج الأزمة من منظور علمي دقيق يختار «الاستسهال» و{التسطيح» أملاً في تقريب القضية من الجمهور، وهو ما يؤدي إلى درجة غير مسبوقة من السخافة، والاستظراف، والافتعال، والصخب المزعج، وكلها ظواهر يمكن تحملها، والصمت عليها بمضض، لكن أحداً لا يستطيع تبرير لجوء الفيلم، الذي كتبته زينب عزيز وأخرجه علي إدريس، إلى إغواء الجمهور بالإفيهات الجنسية المبتذلة، والمواقف الخادشة للحياء!

في الكنيسة حيث يذهب البطل «حازم» (أحمد السقا) ليحضر مراسم زواج صديقه المسيحي «أمجد» (إدوارد) يربط «الحب من أول نظرة» بين «حازم» طبيب أمراض النساء والتوليد، والشريك في واحد من أكبر مراكز الخصوبة وأطفال الأنابيب بالحقن المجهري، و{فريدة» (التونسية درة) مهندسة الديكور ذائعة الصيت، وفي أسوان، التي اختارها الزوجان لرحلة شهر العسل يبدأ «الاستظراف» فالخادم (سليمان عيد) الذي يعمل في الفندق السياحي العالمي، تزوغ عيناه على العروس على مرأى ومسمع من زوجها، ومن دون مناسبة يُضفي السيناريو، والمخرج، مسحة من الابتذال والترخص، بمشهد تتأوه فيه الزوجة بشكل جنسي زاعق، وتصل تأوهاتها إلى مسامع «الخادم» الواقف خلف الباب، ويندفع داخل الحجرة باحثاً عنها، أمام زوجها أيضاً!، قبل أن يكتشف أنها تجثو على ركبتيها بحثاً عن «خاتم الزواج»!

من «الاستظراف»، الذي لا يخلو من ابتذال، إلى الإسفاف الجنسي المباشر؛ حيث توظف كاتبة السيناريو طلب الطبيب من مرضاه تقديم عينة من السائل المنوي لإتمام عملية الحقن المجهري، ليصبح الهم الأول للفيلم أن يملاً الرجال «زجاجة العينة» ظناً من صانعيه أنها الكوميديا، وما يستتبع هذا من جرعة مجانية من الإثارة التي تتفنن فيها الزوجات في تهييج أزواجهن... والجمهور!

بين الرجعية والتخلف يتأرجح فيلم «بابا»، الذي يتحمل مخرجه علي إدريس المسؤولية كاملة عما حدث فيه منذ اللحظة التي اختار فيها سيناريو ضعيفاً ومهلهلاً، ووزع الأدوار على ممثلين تصور أن لديهم الجديد الذي يقدمونه في منطقة جديدة عليهم، مثلما فعل مع السقا ودرة، وفشلا «بنجاح عظيم»، كما فشل إدوارد، الذي لم يعد لديه جديد أو قديم يقدمه، وحتى الوجوه الجديدة ظلمها الفيلم بتجاهلها، وعدم إفساح المجال ولا المساحة لتعبر عن نفسها، وهو الظلم الذي وقع أيضاً على التقنيين؛ فالجميع تعطلت موهبته فجأة، وبدا وكأنهم في «الفيلم الخطأ»، وتفاقمت الكارثة مع إيمان سيد، التي افترض المخرج أنها ستمثل «الضحكة الحلوة» في الفيلم لكنها استطاعت، بثقل دمها وافتعالها وأدائها المصطنع، أن تُحيل المشاهد التي تظهر فيها إلى «جحيم» راح ضحيته الجمهور، الذي وجد نفسه مجبراً على تجرع مرارة تجسيدها لدور الممرضة التي تحب الطبيب، وتقتلها الغيرة عليه، وليتها شاهدت القديرة «شادية» في فيلم «نصف ساعة جواز» المأخوذ عن مسرحية «زهرة الصبار» لتتعلم كيف تكون الغيرة... والأهم أن تتعلم كيف يكون التمثيل!

المفارقة أن صانعي الفيلم تصوروا أن لديهم ما يقولونه فعلاً؛ ففي المشهد الأخير، بعد كثير من المواقف الدرامية الملفقة والمفتعلة، يقف المسيحي «أمجد» والسلفي «سعيد» خلف زجاج «الحضَانة»، ويرقبان الأطفال الرضع، وبنبرة خطابية، وكأنه يعتلي منبراً جامعاً، يقدم مدير المركز صلاح عبد الله رسالة للناس جميعاً، وليس الزوجين فقط، بأن الله خلق البشر متماثلين، وأن أحداً لا يستطيع التفريق بين عباده، يعني المسيحي والمسلم، ولأن مثل هذه الأفلام فارغة  الشكل والمضمون لا يمكن أن تنتهي من دون النهاية السعيدة يفاجئ مدير المستشفى الزوجة «فريدة» (درة) بأنها «حامل»، ويردد البطل ببلاهة منقطعة النظير: «يعني ح أبقى «بابا»؟}، هكذا يقولها «بابا»، وليس «ح أبقى أب» لتبرر الكاتبة، ومن معها، اختيار «بابا» كعنوان لهذا الفيلم المزعج!

back to top