مرّت الريح وتركت وصيّتها في أحد جيوب ملابسي المعلّقة على حبل الغسيل حينها، جفّت ملابسي بينما بقيت وصيّة الريح مبلّلة حتى هذه اللحظة...

Ad

فتحت الوصية وقرأتها:

"لا تنسى مهما نسيت الـ wake up call الخاص بك ولا تغلقه أبداً"

منبّه الإيقاظ هذا هو كلمة السرّ... وهو منقذك في اللحظة الأخيرة، هذا المنبّه الذي يوقظك في اللحظة التي تظن كل الظن أنك في كامل صحوتك بينما أنت تسير مغمض العينين.

تسير بكل حماس إلى ما تعتقد أنه جسرا سينقلك للضفة الأخرى وهو ليس إلا هوة سحيقة لا قاع لها فيهرع ذاك المنبّه بالضجيج مصرا على لفت انتباهك إلى ما أنت مقدم عليه قبل فوات الأوان.

تقف على مرتفع تفكر بالقفز إلى ما تظنّه بركة ماء، فيسارع ذلك المنبه بالرنين العالي ليحذّرك بأن عنقك ستُكسر وستتحول عظامك إلى أجزاء متناثرة لأن ما سترطم به ليس إلا جليداً صلباً اكتسى بالزرقة بقصد خداعك.

وهو ذلك المنبه اللعين الذي يوتّرك أحياناً في لحظاتك أكثر لحظاتك مرحاً ويحاول ردعك عن التمادي، ويزيد من إزعاجه كلما زدت في تجاهله، ثم تتأكد بعد حين من صواب ما كان يفعله.

وهو الذي يشدّك من الخلف بينما أنت تجري بأقصى سرعتك بهدف اللحاق بلحظة فارّة من بين يديك ويعيقك من الإمساك بها،

وهو الذي يُريك وجها بشعا شديد القبح لبعض رغباتك التي ترى أنها الأجمل،

وهو الذي يوقظك عندما يتسرب ماء حلم في شرايينك وتسري في عروقك لذّته ويوشك أن يتمكن منك وتوشك على إدمانه، فتصحو غاضبا حانقا على ذلك المنبّه الذي لم يجعلك تُكمل متعتك المُهلكة.

ذلك المنبه الوقح الذي لا يراعي مشاعرك ولا يجاملك ولا يمسح لك الجوخ ولا يتودد إليك، ولا يهمه إرضاءك، بل أن قسوته تزداد كلما تساهلت معه، يراقبك في كل لحظة ولا تغفل عيناه عن شاردة ولا واردة مما تفعل.

يغيظك كثيرا بحكمته مقابل حماقتك، وبتعقّله مقابل تهوّرك، وبصوابه مقابل خطئك.

الذين أطفأوا منبه الإيقاظ ذاك في داخلهم، أو حوّلوا صرخاته المدويّة إلى همس ناعم لا يكاد يسمع، بكوا كثيرا، وعانوا الأمرّين لاحقاً، ومازالوا يتلُون آيات الندم بصوت رخيم وتجويد مُتقن.

أما الذين تعاملوا معه ليس كندّ له، وإنما كحارسٍ آمين وفيّ، كثيرا ما ردّدوا أنه لطالما أنقذهم في اللحظة الأخيرة من منزلق كاد يودي بمصائرهم.

منبّه الإيقاظ هذا قد يكون الضمير الحي، وقد يكون صديقا، وقد يكون إيمانا نقيّا، وقد يكون حبا صادقا يملأ قلبك، وربما إنسانية حقّة تتحلى بها،

منبّه الإيقاظ هذا أو الـ wake up call  لا بدّ أن تعمل على الحفاظ عليه، وصيانته دائما حتى لا يتعرض للعطب، وكما أن عينيه دائما عليك، دع عينيك أنت أيضا دائما عليه، وإلا فستكون كعربةٍ بلا مكابح فتجد نفسك جثة متعفنة في وادٍ سحيق يغطيها الظلام.

من يصدّق وصايا الريح؟! أنا أحياناً