الفنان القدير ملا سعود الكويتي... رائد صوت الخيّالي
تميز الفنان القدير ملا سعود الكويتي عن رواد الأغنية المحلية بصفات عدة: حافظ على أصالة الأغنية الكويتية، نقل الألحان القديمة بأمانة إلى الفنانين الذين ظهروا مع بداية مرحلة تطوير الأغنية الكويتية، في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
على رغم الأرشيف الكبير الذي أمتلكه إلا أنني وجدت نفسي، للأسف، عاجزاً عن الكتابة التي تليق بهذا الفنان الأصيل الرائد الذي اشتهر في عصره، لقلّة المصادر التي توثق مسيرته الغنائية لكنني لم أتوقف، بل توجهت إلى الباحثين والمهتمين بالموسيقى والغناء المعروفين في الكويت للحصول منهم على معلومات عن مسيرة هذا الفنان الكبير، إلا أنهم أقروا بعدم وجود معلومات لديهم.لكن، بعد البحث هنا وهناك، وفقنا الله تعالى إلى الحصول على كتابات ونصوص، نعتقد أنها ستفيد القارئ والباحث، إن شاء الله، وسأستمر في البحث عن كل معلومة تضيف جديداً إلى سيرة هذا الفنان المتميز.يعدّ ملا سعود الكويتي أحد القلائل، لا يزيد عددهم على أصابع اليد الواحدة في تلك الحقبة، الذين حملوا رسالة الفن الكويتي الأصيل عبر رحلة قاسية من العيش وصعبة وشائكة المسالك، احتوت ما يقارب على أربعين عاماً قبل النهضة الشاملة في الكويت، إذ حافظ الفنان ملا سعود الكويتي، مع هذه المجموعة الغنائية الرائدة، على بقاء فن الغناء الشعبي الكويتي، وعلى حضور الأغنية الكويتية بطابعها الأصيل في الفترة التي بدأت مع نهاية عهد «أبو فن الصوت» في الكويت الراحل عبد الله الفرج، رائد ومبدع ومبتكر فن الصوت في الكويت وغيرها من دول الخليج العربي.سيرة ذاتيةسعود بن عبدالعزيز الياقوت، المشهور باسم سعود المخايطة، نسبة إلى خياطة البشوت لأنها كانت مهنته بعد تجارة البشوت... مطرب كويتي معروف يتمتّع بصوت جميل، خصوصاً في الفن وفنون الصوت، توفي في عام 1971 عن عمر يناهز السبعين عاماً.بالإضافة إلى الغناء كان ضابط إيقاع المرواس من الدرجة الأولى، سافر في عام 1927 إلى بغداد برفقة الفنان الراحل عبد اللطيف الكويتي كي يروس له، فسجل فيها أسطوانات منها خيالي «أمانا أيها القمر المطل»، وقد نشر نص هذه الأغنية في مجلة «عالم الفن» (العدد 344 بتاريخ 13 أغسطس 1978) في باب «أغنية الأسبوع» من إعداد الفنان بدر الجويهل، على النحو التالي:خياليأمانا أيها القمر المطلشعر: ابن النبيهغناء: ملا سعود الكويتياللحن: قديمأمانا أيها القمر المطلعلى جفنيك أسياف تسليزيد جمال وجهك كل يومولي جسد يذوب ويضمحلوما عرف السقام طريق جسميولكن دل من أهوى يدليميل بطرفه التركي عنيصدقتم إن ضيق العين بخلإذا نشرت ذوائبه عليهترى ماء يرف عليه ظلوقد يهدى صباح الخد قومابليل الشعر قد تاهوا وظلواأيا ملك القلوب فتكت فيهاوفتكك في الرعية لا يحلقليل الوصل يقنعها فإن لميصبها وابل منه فطلأدر كأس المدام على الندامىفمن خديك لي راح ونقلفنيراني بغيرك ليس تطفاوأشواقي بغيرك لا تبلأشار بدر الجويهل إلى الكلمات المنشورة بقوله: «أفادني بذلك السيد علي محمد الصقعبي صاحب الأسطوانات المعروف بـ «أبو زيد فون» كذلك السيد فاضل مقامس». وكان سبق لأم كلثوم أن تغنت في أوائل الثلاثينيات بهذه الكلمات.كذلك رافق ملا سعود الكويتي على الإيقاع المرحوم عبد الله فضالة.ابن لعبونسجل الفنان ملا سعود الكويتي في بغداد أسطوانة لأغنية «يا علي صوت بالصوت الرفيع»، للشاعر والملحن المبدع النبطي ابن لعبون الذي تغنى ملا سعود الكويتي بألحانه مع مزجها بألحان كويتية قديمة بعد تهذيبها، وقد شاعت في شبه الجزيرة العربية ألحان السامري والفنون الخمارية لابن لعبون كمبدع ومطور لأوزان الشعر الغنائي والألحان، ومن أبرزها أغنية: «يا مره لا تذبين الجناع» (فن خماري)، يقول نصها:يا مره لا تذبين الجناعطوعوني وأنا ما كنت أطيعواطرحوني وأنا قرم وشجاعسايمين الهوى يا من يبيعيشترون الهوى أهل الرفاعشاقني راعي الصفرا الصنيعسنها يا علي وقم الرباعيوم أهلنا وأهل «مي» جميعنازلين على جو الرفاعسُجلت هذه الأغنية على أسطوانة قديمة في الأربعينيات بصوت الفنان القدير المرحوم ملا سعود الكويتي، ومن المرجح أن يكون هذا هو «الفن اللعبوني»، وليس من الغريب أن يكون هو مبدع ضربات الإيقاع.ومصادر كلمات هذه الأغنية التي وجدت هي:• كما غناها المطرب ملا سعود الكويتي على الأسطوانة وهي مختصرة. • كتاب «خيار ما يلتقط من شعر النبط»، الجزء الأول للأستاذ عبد الله الحاتم.• كتاب «الأشعار النادرة»، الجزء العاشر، وهو الجزء المخصص للشاعر محمد بن لعبون، من مخطوطات المرحومين خالد محمد الفرج وعبد العزيز الدويش تعود إلى عام 1930.ولأغنية «يا علي صوت بالصوت الرفيع» قصة في حياة ابن لعبون، إذ كانت سبباً في خروجه مسرعاً من البحرين، لأنه قال هذه القصيدة في مجلس طرب، وقصد فيها تنبيه إحدى المشاركات إلى وجود أحد أقاربها، طالباً منها تلميحاً ألا تنزع قناعها عن وجهها حتى لا يعرفها ذلك القريب، لكن الأمر اكتشف في ما بعد وأضحى اللوم من نصيب الشاعر لا من نصيب صاحب المجلس أو المشاركين فيه، وتعرض للخطر لولا أنه أسرع بالمغادرة حتى لا يجر على نفسه المتاعب.سفر وعلاقاتسافر الفنان ملا سعود الكويتي مع الفنان المرحوم عبد الله فضالة إلى أكثر من دولة... وقد قال عنه:«كنا نذهب أنا ومحمود الكويتي وعبد اللطيف الكويتي إلى بومباي في الهند لتسجيل أغانينا وطبعها، وكان يصاحبنا أحياناً للضرب على آلة المراوس ملا سعود الياقوت وهو مطرب قديم مشهور».وكانت للفنان ملا سعود الكويتي علاقات طيبة مع أمراء في الخليج والجزيرة العربية، خصوصاً في المملكة العربية السعودية، وهو متأنق ومتحدث جيد، وله أسلوب خاص في التعامل مع الناس، كل حسب ثقافته ومكانته الاجتماعية.وله من الإنتاج الغنائي الكثير، لكن بالنسبة إلى الاسطوانات فقد أُثبتت أسطوانات له سُجلت في بغداد في شركة أوديون وهي:• «دمعي تحدر من الموق» (فن).• «أنوح إلى الحادي» (صوت)، سجل على الكمان والمرواس.• «ليمن الخدور على الكثيب المعتلي» (خيالي).• «يحيى عمر قال».• «يا علي صوت بالصوت الرفيع» (فن).• «هم حملوني».• «أمانا أيها القمر المطل».• «أتهجرنا وأنت لنا حبيب».مقابلات تلفزيونيةفي 2 مايو 1964 سجل له تلفزيون الكويت مقابلة في برنامج «صفحات من تاريخ الكويت»، من تقديم الإعلامي القدير رضا الفيلي ومدتها نصف ساعة، تحدث فيها ملا سعود الكويتي عن الفن والفنانين بصراحة تامة، وقد أذيعت في 22 يناير 1968، وهي المقابلة الوحيدة معه التي يتحدث فيها عن الفن والفنانين.وفي 15 يونيو 1968 أجرى المؤرخ سيف مرزوق الشملان، أطال الله في عمره، مقابلة تلفزيونية قيمة لبرنامج «صفحات من تاريخ الكويت» مع المرحوم ملا سعود الكويتي مدتها 44 دقيقة، وقد أذيعت يوم 16 يونيو 1968، وكانت عن البشوت وخياطتها وتجارتها ونحو ذلك.من الأغنيات التي اشتهر ملا سعود الكويتي بغنائها ونقلها إلى الأجيال صوت عربي بعنوان «هم حملوني في الهوى»، نشره ناصر بو عوض في جريدة «الوطن» (العدد 8839/3285 بتاريخ 22 سبتمبر 2000) ونص الصوت ما يلي:هم حملوني في الهوى فوق طاقتيفمن أجلهم قامت علي قيامتيوما كنت لولا هجرهم وصدودهمحليف ضني مل الطبيب عيادتيبحقكم يا جائرين تعطفوافقد رق لي من جوركم كل شامتولا تبخلوا أن تسمحوا لي بنظرةتخفف أشجاني وفرط صبابتيسألت فؤادي الصبر عنكم فقال ليإليك فان الصبر من غير عادتيأضم على الداء الدفين جوانحيوأظهر من خوف الرقيب بشاشتيوما تلقى لما رميت بهجركمعجيباً ولكن العجيب سلامتيفي عام 1976 كتب المؤرخ سيف مرزوق الشملان مقالة في مجلة «عالم الفن» عن مجموعة من مطربي الكويت القدامى، ومما قاله عن الفنان القدير ملا سعود الكويتي نقتطف ما يلي:«ملا سعود الكويتي... هو المرحوم سعود بن عبد العزيز الياقوت الشهير باسم سعود المخايطة نسبة إلى خياطة البشوت، لأنها كانت مهنته، وبعدها تجارة البشوت، وهو مطرب معروف، وضابط إيقاع بالمرواس من الدرجة الأولى. توفي في عام 1971، وله صوت جميل، خصوصاً في الفن والخيالي».في عام 1927 سافر الملا سعود إلى بغداد مع عبد اللطيف الكويتي كي يروس له، وسجل بعض الأسطوانات فيها منها خيالي «أمانا أيها القمر المطل» وفن مشهور لابن لعبون».من ذكريات الفنان شادي الخليجيوم الاثنين من كل أسبوع هو موعد ديوانية جمعية الفنانين الكويتيين حيث تتواجد مجموعة من الفنانين المطربين والملحنين وكتاب الأغنية القدامى والشباب، إضافة إلى المهتمين بالفن الغنائي. يحرص الفنان القدير شادي الخليج، الذي يعالج راهناً في ألمانيا ونتمى له الشفاء العاجل، على الحضور في مثل هذا اليوم بالذات على رغم أنه يتواجد في الجمعية من يوم السبت إلى يوم الخميس من كل أسبوع. صادف في أحد أيام موعد الديوانية صدور مجلة «عالم الفن» وتتضمن موضوعاً عن الفنان الشعبي القديم ملا سعود الكويتي، فكان الحوار الدائر عما سمعوه عن هذه الشخصية الفنية الأصيلة والتي ظهرت في فترة كان الإعلام فيها ضعيفاً ومحدوداً فلم تتم متابعته فنياً، لذلك فإن المصادر التي قد تعين أي باحث يريد أن يوثق مسيرة هذا الفنان القدير نادرة جداً. حتى إن أعماله الغنائية التي طبعت على أسطوانات غالبيتها مفقودة.مداخلة الفنان شادي الخليج عن ذكرياته عن ملا سعود الكويتي كانت في فترة الأربعينيات عندما قال له خاله الذي كان يعرف أن ابن أخته يحب الفن، خصوصاً الغناء، بأنه سيأخذه معه إلى حفلة سمر في منطقة الموقع بالقرب من مدينة الأحمدي حيث تأكد له بأن الفنان الشعبي ملا سعود الكويتي سيغني فيها مجموعة من الأصوات الغنائية.وأن عدداً من المطربين الشباب سيشارك معه في هذه الحفلة ويقول بو علي إننا عندما وصلنا إلى المكان المقرر أن يغني فيه ملا سعود الكويتي شاهدت سيارات كثيرة وعدداً كبيراً من الناس وكأنها حفلة زواج، وهذا دليل على أن هذا الفنان له جمهور يقدر ما سيقدمه من أغانٍ جميلة وأصيلة.ويتذكر شادي الخليج بأنه من المطربين الشباب الذين غنوا قبل الفنان ملا سعود الكويتي المطرب الراحل فرج الفرج الذي كان يسمى آنذاك فرج صلبوخ غنى بستة عراقية وأغنية للمطربة ليلى مراد، واستمع للمرة الأولى في تلك الليلة لعدد من أغنيات ملا سعود الكويتي وغالبيتها من فن الصوت التي شاهد فيها لحظات تشوق وترقب الجمهور له وهو يستمع إليه بحرص. كانت تلك الليلة، خصوصاً عندما قدم ملا سعود الكويتي فقرته، رائعة.تجارة البشوتمن المعروف أن الراحل سعود بن عبدالعزيز الياقوت والشهير في سعود المخياطة «ملا سعود» قد عمل في خياطة البشوت منذ الصغر مع والده الذي كان صاحب محل في محلة العنجري، ثم بعد وفاة والده استمر بعمله في محلة العوازم قرب السوق الداخلي، ثم بعد ذلك في ديوان بودي، ولديه من الصبيان 18 صبياً عاملاً، حتـى انتقل إلى بيته الجديد في الفيحاء إلا أنه ترك العمل، وكان ذلك في عام 1963.تميز ملا سعود في عمله وكانت له معاملة خاصة في السعودية والبحرين، فقد كان جده عبدالرحمن الصالح من كبار تجار البشوت منذ مئة وعشرين عاماً، أما والده فقد كان كبير المخايطة في الكويت، والملا سعود الكويتي كان مطرباً سجلت له إسطوانات عدة في بغداد، وقد كان ذلك في عام 1929 وله مجموعة من الأغاني تذاع في إذاعة دولة الكويت ومن هذه الأسطوانات «يا علي صوت بصوت رفيع».الشاعر الشعبي إبراهيم الخالد الديحاني، الذي له قصيدة عن البشوت كان يزور الملا سعود الكويتي ويتقهوى عنده في كثير من الأحيان.وعن أقدم البشوت فقد ذكر لنا ملا سعود الكويتي أن العباءة (باللغة العربية) والبشت باللهجة الكويتية أقدمها عباءة البرقة التي تكون من اللونين الأبيض والأسود غالباً، وأحياناً تكون باللون الأسود والأحمر، وأغلى هذه البشوت هو بشت الوبر... والعباءة البرقة ذكرها كثير من الشعراء العرب في قصائدهم في العصر الاموي.وأيضاً ثمة من شعراء الدولة العثمانية من ذكر في شعره العباءة البرقة.ويؤكد ملا سعود الكويتي أنه قد اشترى من العمارة والنجف عدة بشوت وأن أنواع البشوت كثيرة منها البرقة وهي نوعان : السعدونية وبشت الوبر ومن أشهر تجار وصناع البشوت في تاريخ الكويت حمد بن ياقوت وأحمد الشواف وحسن البغلي وإبراهيم البغلي وإبراهيم العبدالله وأحمد بن نمش وعبدالله التنيب.