وجهة نظر: متى تدور عقارب ساعة الأمانة!
المخطط الهيكلي الثالث للدولة وثيقة رسمية صادرة بالمرسوم الأميري رقم 255 لسنة 2008. هذه الوثيقة تحدد مسارات التطوير المطلوب القيام به في المناطق الحضرية الحالية كما تحدد مسارات التوسع المستقبلي في عمران وتنمية مناطق حضرية جديدة. ولا يمكن لأي قارئ منصف لهذا المخطط أن يقلل من قيمة الجهد الكبير والمتميز الذي بذل في اعداده وانجازه، فهو يتضمن رؤى وبدائل وتوجهات وأهدافاً تتناول من منظور ثلاثة عقود مقبلة احتياجات دولة الكويت من وحدات سكنية واستثمارية وتجارية ومدارس ومستشفيات ومراكز صحية ومحطات جديدة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه ومشروعات متكاملة للصرف الصحي ومناطق صناعية وأخرى للتخزين والخدمات وتطوير لشبكة الطرق والموانئ والمطارات ونظم النقل الجماعي والمرور. كل ذلك وغيره من احتياجات محدد بالمساحات اللازمة والمواقع الجغرافية المناسبة والخرائط التوضيحية بما يتناسب مع سيناريو الزيادات المتوقعة في عدد السكان والضغط المتعاظم في الطلب على الأراضي والمنافع والخدمات. وفي عام 2010 أقر القانون رقم 9 بإصدار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنوات (2010/2011 - 2013/2014)، ومن يقرأ وثيقة الخطة سيجد أنها قد حفلت بأهداف وطموحات وسياسات وبرامج اتسق بعضها ولم يتسق بعضها الآخر، بل يتعارض مع المخطط الهيكلي الثالث، ولكن الحاجة الملحة الى التوافق على وثيقة تنموية تدفع بعجلة المشروعات الكبرى في اقتصاد كثرت فيه الاختلالات والمشكلات قد أدى الى التعجيل باقرار الخطة، وغض النظر عن هناتها وهفواتها. وطبعا لا يجوز لنا أن نتوقع التزاما مؤكدا بتوجهات الخطة ولا إنجازاً باهراً لمشروعاتها في بلد تفاقم فيه على مدى سنين طويلة حجم الاختلالات المتصلة بترهل الجهاز التنفيذي للدولة وبيروقراطية القطاع العام، وضعف أداء القطاع الخاص الناجم أساسا عن تلك البيروقراطية، واختلال الهيكل الاقتصادي، أي هيمنة القطاع العام على النشاط الانتاجي والخدمي، واختلال المالية العامة حيث يطغى ريع النفط على جانب الايرادات وتطغى الرواتب والاعانات والانفاق الاستهلاكي على جانب المصروفات. في ظل ذلك لا يطمح المخلصون الى أكثر من جرعة صغيرة من الاصلاح وانجاز متواضع في المشروعات. بعد ستة أشهر من الآن، ندخل السنة الأخيرة من عمر هذه الخطة، وحجم الانجازات على الأرض يؤكد ما أشرت اليه، ومن واقع خبرتي الاستشارية التي امتدت الى أكثر من 15 سنة في جهاز التخطيط، وهو جهاز يعاني مثل سواه من الأجهزة التنفيذية داء الترهل والبيروقراطية، أعرف أن عقارب ساعة التخطيط متوقفة عن الدوران، وهي تكون متوقفة في الأحوال الاعتيادية، فما بالنا والأحوال غير ذلك. ولذلك أدعو الإخوة القائمين على "أمانة" التخطيط في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية أن يشحذوا همهم منذ الآن للبدء باعداد الخطة الخمسية الجديدة للسنوات 2014/2015 – 2018/2019 ، وألا ينتظروا كما جرت العادة حتى يطلب منهم ذلك فيضطروا ضمن أفق زمني ضيق ومحدود الى اعداد خطط يعوزها النضج الكافي وتملؤها الثغرات.