كان نجاح الشباب بل تفوقهم وتألقهم في حوارات الليل واضحاً، إذ انتزعوا اعترافات صريحة من رموز بارزة بالتقصير في هذه المسؤولية والتبرؤ علناً من تلك اللغة البغيضة، والأهم من ذلك التوقيع على وثيقة التصدي لمن تسول له نفسه الاستمرار في شق الجبهة الوطنية، فلكم الشكر والتقدير يا شباب ومنها للأعلى ولمزيد من العطاء.

Ad

الحوارات الليلية التي تتخلل فعاليات "ساحة الإرادة" بقيادة شباب حوارات التغيير هي الأجمل والأهم من الكثير من العناوين التي تفرزها الصحافة "كمانشيتات" لا تخلو من الإثارة المقصودة، فقد فرض أبطال هذه الحوارات من شابات وشباب وجودهم في تلك الساحة وأعادوا إليها هيبتها الوطنية، وحاصروا أعضاء كتلة الأغلبية بزخمها الشعبي الكبير بجرأة وصراحة غير مسبوقتين، فكسروا جدار الصمت في انطلاقة نتمنى أن تكون واعدة ومتواصلة في ترجمة حقيقة الصوت الثالث على أرض الواقع ومعانيه.

هذه التوليفة من شباب حوارات التغيير أثبتت أن البلد اليوم لا يحتاج إلى تيارات سياسية أو حشود بشرية أو حتى إعلام مساند لتبيان جملة أمور في غاية الأهمية وفي توقيت مناسب وحساس.

ولعل أول رسالة لهذه الكوكبة الشبابية تتمثل بتجسيد أحلى ملامح الوحدة الوطنية رغم القلة العددية، ولكن في توازنها النوعي المحتضن للسنّة والشيعة والحضر والقبائل والليبراليين والإسلاميين جنباً إلى جنب وبمعنويات عالية وثقة كبيرة بالنفس، الأمر الذي أوقع الكثير من القوى والتيارات السياسية العريقة وذات العمق التاريخي في حرج كبير، وأثبت أن حصونها المغلقة أمام الشرائح الوطنية الأخرى إنما هي مقصودة ونابعة من قرارات مسبقة، وأن هذه العقلية هي من أبرز أسباب التخندق والفرز والاصطفاف الذي كنا نعانيه خلال السنوات القليلة الماضية. الرسالة الأخرى التي نجح شباب حوارات التغيير في إيصالها إلى الجميع وبكل وضوح هي كسر احتكار المطالب السياسية ذات السقف العالي من قبل أغلبية 2012، بل لعلهم زادوا عليها بمواقف أكثر تشدداً كالحكومة المنتخبة والدائرة الواحدة والتصدي لكل أشكال الفساد، في الوقت الذي لم يصمد البعض في الأغلبية وراء هذه المطالب، فراحوا يتملصون ويتهربون منها، كما أن شعارات الشباب في محاربة الفساد نابعة من معادن لا تزال ناصعة البياض وغير ملوثة بممارسات مشوبة بقضايا التنفيع و"الواسطة" التي فضحت بعض النواب وأقرابائهم في المناصب والمعاملات والصفقات الحكومية من الأبواب الخلفية!

أما الرسالة الأهم التي أحرج فيها شباب التغيير الكثير من أعضاء كتلة 2012 فتمثلت بالغضب الكبير ليس على خطابات الكراهية والتصريحات غير المسؤولة لبعض المحسوبين عليهم ذات النفس الطائفي والفئوي المريض فحسب، إنما على سكوت هؤلاء، خصوصاً الشخصيات الكبيرة والمؤثرة منهم، على تلك الممارسات والسلوكيات المنحرفة لحسابات سياسية أو مصالح انتخابية، وأن المكتسبات الدستورية والإصلاح السياسي يفترض أن يحتضنها الوعاء الوطني بأكمله.

وكان نجاح الشباب بل تفوقهم وتألقهم في حوارات الليل واضحاً، إذ انتزعوا اعترافات صريحة من رموز بارزة بالتقصير في هذه المسؤولية والتبرؤ علناً من تلك اللغة البغيضة، والأهم من ذلك التوقيع على وثيقة التصدي لمن تسول له نفسه الاستمرار في شق الجبهة الوطنية، فلكم الشكر والتقدير يا شباب ومنها للأعلى ولمزيد من العطاء.