"التنوير" (Enlightenment) من المصطلحات الشائعة والغامضة في نفس الوقت، فتعريف التنوير يختلف باختلاف من تسأل، فإجابة الفيلسوف مختلفة عن المؤرخ، وقد لا تتفق مع عالم الاجتماع أو عالم النفس، فتاريخياً يعود المصطلح إلى القرن الثامن عشر، حيث مقال كانط الذي حاول فيه تعريف التنوير، وأصبح يرمز إلى الحركة الاجتماعية السياسية القائمة على المنطق والعلم للتخلص من سلطة الكنيسة وسيطرة الموروث والخرافات، ففلسفياً التنوير هو استنارة العقل ليتحرر من ظلمة المخاوف غير المنطقية التي تحدّ من إمكاناته ونشاطه.
روحياً هو حالة استفاقة أو إلهام تجيب عن معنى الوجود والهدف من الحياة، وفي التعاليم البوذية أو الهندوسية وغيرها التنوير هو أعلى مراحل الارتقاء الروحي بعيداً عن الرغبات الآنية والمعاناة؛ وصولاً إلى مرحلة الحب والتعاطف والحكمة (السعادة المطلقة) بالتحرر من الجهل والارتباط بالماديات (attachment). أي التنوير في جوهره هو رحلة من أجل الحرية والمعرفة، والسعادة مسارها سياسيا قد يختلف اجتماعياً، ولكن على المستوى الشخصي قد لا تختلف "المدارس" كثيراً في معنى التنوير والسبيل إليه. فالرحلة تبدأ بالرغبة الحقيقية في السعادة لتكتشف أن حتى تعريف السعادة غامض وغير محدد، وقد يختلف من ثقافة إلى أخرى، وربما من شخص إلى آخر.وهنا تستوعب أنه لتعرف السعادة فلا بد أن تعرف نفسك: من أنت؟ ما هي شخصيتك؟ وما هي قيمك؟ وماذا تحب؟ وماذا تكره؟ ولمَ تتصرف بهذه الطريقة أو تلك؟ وكيف تبني علاقاتك؟ وكيف تحدد أولوياتك؟أسئلة لا يمكن الإجابة عنها دون العلم، فبالاطلاع والعلم نفقه كيف يعمل عقل الإنسان وجسمه، وكيف تتكون شخصياتنا وهوياتنا، ونكتشف في وقت قصير نسبيا أننا، رغم رغبتنا الصادقة في السعادة، أسرى لمجتمعاتنا وثقافاتنا وعاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا وواجباتنا.بقليل من العلم نعي استحالة تحقيق ذواتنا دون الحرية؛ من نحن حقاً إن لم تكن لنا حرية التفكير والاعتقاد؟ إن لم نملك مساحة كافية للتعبير عن آرائنا وأفكارنا ومشاعرنا؟ إن لم نستمتع بحق الخطأ والتجربة؟ كيف ننمو دون أن نتعرف ونتعلم من الآخر البعيد والمختلف؟ كيف نكون نحن ما لم يكن لنا حق الحب والوله والعشق؟ كيف نفهم وننضج ونتفتح ما لم تكن لنا حرية الخروج من حدود وقواعد أجدادنا وآبائنا؟ من نحن إن قبلنا بالقوالب التي حددتها لنا أسرتنا؟وهنا تبدأ الثورة الشخصية على قوانين وقواعد التربية، ثم الأسرة فالمجتمع، وهي ثورة ممتعة أحياناً ومؤلمة وموحشة أحياناً أخرى، تستمر حتى نفهم أنفسنا، ونعيد تعريف من نحن، وماذا نريد.المعرفة والعلم طريقنا إلى الحرية، وبهذه الحرية فقط يمكننا أن نفهم من نحن، ونحب أنفسنا لما نحن عليه حقيقة لا كما يريدنا الآخر؛ وبذلك نبني علاقات صحية ومتكافئة، وفاعلية تنعكس على أسرنا ومجتمعاتنا، وبتلك الحرية من التوقعات والقوالب والشكليات والعلاقات الإنسانية العميقة نجد السعادة الحقيقية!
مقالات
«الله ينور علينا»
05-10-2012