الأمن السوري... سيرة وانفتحت
"الأمن" أو "المخابرات" حالة نكرة في الذاكرة العربية؛ لأن مهامها ارتبطت على الأغلب بأعمال قمع داخلية وتصفية الخصوم بالخارج، باستثناء بعض الومضات التي تخص الصراع العربي الإسرائيلي.والثقافة السورية بذاكرتها الوطنية لا تحتفظ لجهازها الأمني الذي أعيد تشكيله بعد صعود "البعث" إلى السلطة بأي من هذه العمليات البطولية النوعية ضد إسرائيل؛ لأن مهامه انحصرت داخلياً وبات حزاماً أمنياً "لدولة البعث" يسوّق فسادها ويمحق خصومها، ويكسر الوطن في العقول، وينزع المواطنة من النفوس ليزرع مكانها صروحاً من الخوف والهلع؛ وليتحول معها الوطن إلى "غرفة تحقيق" و"مضبطة اتهام" لكل رمش يرف، وكل عريس يزف، ولم تعد حتى غرف النوم تعرف الستر والأمان.
هذه العقيدة الأمنية البعثية المهام والداخلية المنشأ والمجردة الانتماء الوطني بالمطلق، جعلت الوطن مرتعاً لكل خلايا التجسس الإسرائيلية وغيرها، وإن بدأت مع "إيلي كوهين" لكنها لم تنته باغتيال عماد مغنية داخل أخطر مربع أمني عرفته مملكة الرعب السورية، وأيضا مسؤول ملف "حزب الله" وتسليحه، محمد سليمان، وما بينهما الكثير مما نعرفه ومما لا نعرفه، وقد تم غض الطرف عنها والتعمية عليها، بل عدم الاكتراث بنتائجها لأنها لا تمس أمن النظام بشكل مباشر، إضافة إلى إدراكهم أن إسرائيل حريصة على أمن النظام لأهميته وضرورته لأمنها. المهام الأمنية القذرة لم تعد حكراً على الداخل السوري بل طالت المعارضين في الخارج، وامتدت إلى الشقيق اللبناني مع دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 برغبة دولية وإسرائيلية، وذلك لكسر المقاومة الفلسطينية بذريعة حماية المسيحيين. وهناك صال وجال الأمن السوري ودشن أولى عمليات الاغتيال بالشهيد كمال جنبلاط قائد المقاومة الوطنية اللبنانية، ولم تنته باغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه واللواء وسام الحسن، وما بينهما هناك الكثير والكثير من اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم... و"تل الزعتر" الشاهد الملك على السيرة الذاتية للنظام السوري."شعبة المعلومات" بالأمن العام اللبناني تكاد تكون الجهة الوحيدة في لبنان التي ترفض قيد قضايا الاغتيال السياسية، وما أكثرها، ضد مجهول رغم معرفة الفاعل، وأيضا لا تتوانى لحظة عن الخوض في كشف خلايا "الموساد" وما أكثرها، واستطاعت بحرفية عالية غربلة هذه الخلايا سواء في "حزب الله" أو بأنصار ميشال عون أو في لبنان عموماً، علاوة على الضربة القوية الكبرى التي كانت ستودي باللبنانيين في أتون الفتنة الطائفية، واستطاعت شعبة المعلومات بقيادة المحترف اللواء وسام الحسن وأدها من خلال فك رموز الشبكة الإرهابية التي يرأسها ميشال سماحة وبمهنية عالية، والتي طالت رأس الجهات الأمنية السورية، بل رأس النظام السوري، وهذا يعتبر في عرف نظام الرعب "تجاوز الخط الأحمر"، بل باتت الشعبة ورئيسها عقبة كأداء في وجه المهام القذرة لهذا النظام، لذلك اعتبر اللواء وسام الحسن من يومها في عداد الشهداء ومن غير أشلاء... وقد تمت عملية تصفيته بحرفية عالية نتيجة الخبرة الكبيرة التي تتمتع بها أجهزة النظام السوري الأمنية والمافياوية رغم حرفية الشهيد وحسه الأمني العالي.عملية الاغتيال لا يمكنها أن تتم بهذه الدقة دون فريق كبير متكامل المهام، لهذا أكاد أجزم أن جهاز الأمن في "حزب الله" ضالع بهذه المهمة، ولا أستبعد أبداً مشاركة "الموساد" بالعملية لأن الشهيد وسام الحسن يمثل هدفاً لكلا الطرفين السوري والإسرائيلي.قائمة الاغتيالات لن تنتهي، فهناك قائمة بل قوائم لدى النظام السوري لأن شهيته باتت مفتوحة على القتل والإجرام، وهو إن لم يشبع من دماء شعبه فلا أظنه سيرتوي من دماء الغير... فلبنان دفع فواتير كثيرة من دماء أبنائه نتيجة فساد أكثر ساسته وملوك طوائفه الذين بتحالفاتهم الخارجية قد جلبوا كل "المافيات" وأدوات الإجرام إلى بلدهم وبمسميات شتى، كـ"الممانعة" و"المقاومة" و"السيادة" و"الاستقلال"، وأضحت كل الجرائم التي ترتكب بأياد لبنانية وتدبير خارجي، والنظام السوري هو الأكثر تغولاً بالدم اللبناني، ولن يعود لبنان كدولة في حدها الأدنى ما دام هذا النظام على قيد الحياة، فسقوطه يعني سقوط منظومة أمنية مافياوية إجرامية بامتياز، روعت البشر والحجر والشجر على مدى خمسين عاماً، وقد آن الأوان لسقوطها حتى يبدأ عصر الدولة المدنية الحضارية الطابع والسلوك الذي افتقدناه طويلاً، ولكن بعد إجراء التطهيرات اللازمة بكلتا الدولتين لضمان الصحة والأمان.