فجر يوم جديد: المهاجر ... نوح
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
مشروع «نوح» الذي حمله على كاهله، وتشبث طويلاً بظهوره إلى النور، والمتمثل في رغبته الجارفة في تأكيد الهوية من خلال البحث عن موسيقى ذات طابع مصري، عبر عن نفسه في الموسيقى التصويرية التي وضعها لفيلم «إسكندرية كمان وكمان» (1990)، وبلغ اقتناع المخرج يوسف شاهين، الذي عُرف بحسه الموسيقي وإلمامه الواسع بوظيفة الموسيقى ومتطلباتها في الفيلم السينمائي، بموهبة «نوح» أن اتخذ قراراً بالتعاون معه مجدداً في فيلم «المهاجر» (1994)، وهي التجربة التي اتسمت بالإبهار وتحولت إلى علامة مضيئة في تاريخ الموسيقى التصويرية، بتعبيرها الواضح عن «الأصالة» و»المعاصرة»، ومزجها الفريد بين «الحاضر» وعبق «الماضي»، بحيث لا يمكن مطلقاً أن تشعر معها بالغربة أو الاغتراب، وإنما تتلمس فيها حساً روحانياً وفرعونياً عميقاً نتيجة التوظيف البارع للوتريات وآلات النفخ الخشبية.طموح محمد نوح لم يقف عند حدود، ففي حياته محطة مهمة يكتنفها الغموض أخرج خلالها فيلماً قصيراً بعنوان «رحلة العائلة المقدسة»، لكن أحداً لا يعرف ظروف وتفاصيل التجربة التي لم تتكرر، وبقيت علاقته بالسينما محصورة في وضع الموسيقى التصويرية للأفلام، مثلما فعل في: «معركة النقيب نادية» ( 1990)، «قبضة الهلالى» (1991)، «قانون إيكا» (1991)، «السجينة 67» (1992)، «أجدع ناس» (1993)، «كريستال» (1993)، «مرسيدس» (1993)، وعمله كأستاذ زائر في معهد السينما.بعدما غيَّب الموت الفنان المبدع محمد نوح، كثرت الأقاويل حول الظلم الذي تعرض له والتجاهل الذي قوبل به منجزه، وقيل إن أحداً لم يكرمه، وإن أعياد الفن لم تأت على ذكر اسمه، كما أن قوائم جوائز الدولة لم تشتمل على ترشيحه، لأن «زامر الحي لا يُطرب»، بينما تؤكد الوقائع والأرقام أنه على رغم تبنيه موقفاً سياسياً صادماً بإعلانه تأييد اتفاقية «كامب دافيد» التي وقعها «السادات» في 17 سبتمبر 1978، ووصفها الشعب المصري باتفاقية «العار»، ثم صدم الشعب المصري أكثر باستقبال «السادات» في المطار عند عودته، فإن محمد نوح لم يعان اضطهاداً أو ملاحقة من أي نوع، بل حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 1991، ومارس الإبداع بشتى صنوفه وأشكاله، واتجه إلى الكتابة الصحافية في جريدة حزب «الوفد» الذي انتمى إليه، بما ينفي أي اتهامات بتعرضه وهو على قيد الحياة للاغتيال المعنوي؛ خصوصاً أن ما يتبقى من الفنان، في الأحوال كافة، هو رصيده الإبداعي، وأكبر تكريم لمحمد نوح بعد رحيله أن تسأل عنه فتأتيك الإجابة: «صاحب موسيقى فيلم «المهاجر».