تسييس الحسينيات!
يكفينا الكم الهائل من الهموم والمشاكل والإخفاقات التي حولتنا إلى مجتمع راكد وبلد في ذيل قائمة التطور والإبداع، وهدر الثروة التي استأثرت بها فئة محدودة، ونحن نتصارع ونتبادل التهم يومياً على أمور شكلية، أو نحاول أن نختلق الفتن والمشاكل من العدم، ونحملها للمجتمع برمته.
هل للتصريحات الاستفزازية ضد الحسينيات بين فترة وأخرى أو لمحاولات تهديد الوزراء بالمساءلة السياسية للتحريض عليها أي قيمة حقيقية على أرض الواقع؟ وهل تغير كلمة هنا أو هناك، وبمناسبة أو بدون مناسبة من هذا الواقع شيئاً؟ وهل تؤثر مثل هذه الضغوط في أي قرار في هذا الشأن؟ وإذا كان الجواب الطبيعي والمنطقي بالنفي فلماذا في المقابل هذه الحالة العارمة من الهيجان والانفعال التي قد تصل إلى درجة الهلع تجاه مثل هذه التصريحات الفردية وغير المسؤولة، وبالنتيجة تكون الحصيلة النهائية إقحام البلد برمته في أتون تجاذبات مستمرة وتعبئة منظمة على مدار الساعة؟ ولسنا بحاجة إلى توثيق تاريخ الحسينيات في الكويت وجذورها العميقة، ناهيك عن كونها مؤسسات قائمة وتمارس شعائرها بشكل معلن وفي مواسم محددة ومعروفة، وهي منابر لتفسير القرآن الكريم وذكر مآثر الرسول الأكرم- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأهل بيته الأطهار والمواعظ الدينية والثقافية، كما تقام فيها مجالس العزاء لمن ينتقل إلى الله لقراءة الفاتحة ومواساة ذوي الفقيد، ولذلك يرتادها معظم أهل الديرة، كما تربطهم بأصحابها علاقات اجتماعية قوامها المحبة والاحترام.ولعل الشيعة قاطبة من الحريصين على حضور المجالس الحسينية بل تربوا تحت منابرها، ولم تعد هذه الحسينيات محصورة في دول الخليج والعالم العربي، بل امتدت حتى إلى أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، وإذا كانت هناك بعض الفئات المتطرفة ممن لا يردعهم وازع أخلاقي أو رادع ديني أو سوء الاحترام لإخوانهم في الوطن من السنّة، فلا يجوز أن تتهم هذه المنابر النيرة من جراء مثل هذه التصرفات الفردية المرفوضة حتى من قبل الشيعة أنفسهم، بدليل هذا التعايش الجميل والألفة والمحبة بين أهل الكويت قاطبة.وبمثل صور التعصب والفكر الضيق التي قد يشذ فيها البعض من الشيعة توجد نماذج مشابهة عند بعض السنّة، ولكن كنا دائماً نحذر من أن هذه الأقليات دائماً صوتها مزعج وأفعالها كريهة، ولكن لا خير فينا إذا انسقنا بالفعل كمجاميع خلف هذه الحالات الشاذة وبانفعال شديد وعاطفة بعيداً عن العقل والمنطق، وندع من يحاول أن يصطنع البطولات من أن يتسلق على ظهورنا وسط هتافات التمجيد والتطبيل بأنهم ولا غيرهم حماة الدين والعقيدة.ويكفينا الكم الهائل من الهموم والمشاكل والإخفاقات التي حولتنا إلى مجتمع راكد وبلد في ذيل قائمة التطور والإبداع، وهدر الثروة التي استأثرت بها فئة محدودة، ونحن نتصارع ونتبادل التهم يومياً على أمور شكلية، أو نحاول أن نختلق الفتن والمشاكل من العدم، ونحملها للمجتمع برمته لسبب واحد فقط هو الفكر المحدود والنفس الضيق والعقد الشخصية، خصوصاً من النواب الذين يفترض أنهم يمثلون الأمة قاطبة بما تحمل من شجون وهموم وطموحات، وبما تحتوي من تنوع وتعددية اجتماعية وفكرية وسياسية، فارحموا هذا البلد وأهله ولو لبعض الوقت!