نعم هو خِرجة
نعم علم أي دولة هو "خِرجة"، كما قال "النائبة" وليد الطبطبائي، أي خرقة أو قطعة من القماش، ولكن، كما هو الحجاب والغترة وغيرها من الرموز، هو خرقة ذات قيمة معنوية عالية لمن يؤمن بها... يرى فيها البعض هويتهم أو كرامتهم أو جل معتقداتهم وحبهم.وكأي رمز نجد من هو مستعد لأن يَقتل أو يُقتل من أجل حمايته، ولكن الفرق بين العلم وغيره من "الخرق" أنه رمز اجتماعي سياسي وليس شخصياً أو فئوياً، فعلم بلادك يمثلك بغض النظر عن ديانتك أو جنسك أو انتمائك السياسي، ولعل أسماء شهداء الكويت وبطولات المقاومة الوطنية أثناء الغزو خير مثال على ذلك، فنجد أطياف المجتمع كافة ضحت من أجل أن تبقى تلك "الخرقة" ترفرف عالياً في كل بقاع الأرض، فلم نجد من نفس هذا المجتمع من لا يفقه رمزيتها وأهميتها.
إن القضية أعمق بكثير من تهور أو زلة لسان أو حماقة في التعبير، وتتعدى السيد الطبطبائي بكثير، هي مجرد عرض لعلة انهيار مفهوم المواطنة والانتماء في المجتمع ككل، فكيف نتوقع ممن لا يغار على العقد الاجتماعي المؤسس لهذا الوطن أن يحترم رمزه؟ وهل يحترم الرمز من لا يحب الأصل ولا يشعر بالانتماء إليه؟ وهل نحب ما لا نفهم؟ لنفهم العلم فلا بد أن نفهم الدولة، وتلك لا يمكن استيعابها دون أن نشعر ونعيش الوطن كملاذنا الوحيد، حيث نشعر بالحماية والكرامة والطمأنينة، وبالتالي نعمل بكل ما أوتينا من طاقة لحمايته وحماية أدواته ورموزه.في غياب المواطنة من شعورنا يضيع الوطن من تفكيرنا وخططنا وأعمالنا تماماً كما يحدث الآن، فقد تحولت الكويت إلى بنك نأخذ منه لنحقق أحلامنا، وقطعة أرض نقف عليها لننطلق إلى مملكاتنا الخاصة، فلا حق لها علينا ولا تشكل أي جزء من أحلامنا أو مخططاتنا... فكيف نحبها؟نعم... للطبطبائي كما لغيره من الجماعات والفئات، الكويت محطة مؤقتة نحو أحلامهم الشخصية والسياسية، فالكويت كالسعودية كأي دولة أخرى مجرد بقعة على خريطة الدولة الإسلامية في مخطط الجماعات الدينية، ومجرد سوق آخر للتاجر ورجل الأعمال، وساحة استجمام وترويح للمغيبين والمخدرين من عامة الشعب... القلة فقط القلة من ربطت مصيرها فعلاً بمصير هذه الأرض وتضعها نصب أعينها في كل حركة وكل فكرة، القلة ترى كرامتها وهويتها في بقاء هذا الوطن ونقائه... لهذه القلة هذه "الخرجة" هي الوطن.