عايدة في فيرونا

نشر في 30-08-2012
آخر تحديث 30-08-2012 | 00:01
No Image Caption
 فوزي كريم الطريق بين "نيس" الفرنسية و"فيرونا" الإيطالية يستغرق قرابة خمس ساعات بالسيارة. جبال وأنفاق، ثم أرض منبسطة بدرجات من اللون الأخضر غير محدودة. الهدف في "فيرونا" مُدرّجها الروماني المخصص لعروض الأوبرا. وأوبرا "عايدة" لفيردي هي المبتغى. أسعار التذاكر تبدأ معقولة، ثم تحلق إلى آفاق غائمة. كل شيء في مبنى المُدرج، وكل شيء حوله مهرجاني الطابع. الأوبرا تبدأ في التاسعة مساءً لتنتهي في الواحدة، والمساء الصيفي بالغ الاعتدال. حين ارتحت على مقعدي الصيفي استعدت كالحالم مقاعد السينما الصيفية في بغداد. الطبيعة المهرجانية داخل المدرج تتضح في الكثافة البشرية التي تغطي المدرجات الدائرة حولي (تسَع 15 ألف مشاهد)، كما تتضح في الحرية النسبية التي يتمتع بها هذا المشاهد مقارنة به وهو في قاعات الأوبرا المغلقة، وكذلك في تقليد الشموع التي تخفق في يده على المدرج الدائري، وفي الليل الطليق المطعم بالنجوم الذي يعلوه.

السينما الصيفي في بغداد أيام الخير كانت تتمتع بهذه الحرية، يُضاف إليها رائحة مشاتل "الياس" المحيط، ورائحة التربة المرشوشة بالماء عند المغرب، والأوجه البشرية التي ترقع شبابيك المباني السكنية المحيطة.

إلا أن مبنى المدرج هذا قديم العهد، يعود إلى العصر الروماني (بني في سنة 30 ميلادية)، ومنزّه من دم الأبرياء الذي كان يراق في "كولسيوم" مدينة روما. خُص الكولسيوم بالعبيد يقاتل بعضهم بعضاً، أو يُفترسون من قبل الحيوانات الضارية، بينما خُص المدرج الأول بالمسرح والألعاب في أيام مجده، ثم بُعث ثانية في العصر الحديث، بعد أن دمره الزلزال عام 1117، لينصرف إلى فن الأوبرا الجليل وحده، منذ عام 1913.

وليس غريباً أن يُفتتح المدرج الروماني في ذلك العام من مطلع القرن العشرين بأوبرا "عايدة"، احتفاءً بمئوية ميلاد مؤلفها الكبير "فيردي". لأن "عايدة" بالغة الضخامة في كل شيء، وأي مخرج يجرأ أن يتبسط مع هذه بعد رؤية أنصابهم وأعمدتهم في الأقصر؟

من الشائع أن فيردي ألف أوبرا "عايدة" بمناسبة افتتاح دار الأوبرا في القاهرة عام 1870. ولكن الوقائع التاريخية لم تتم بهذه الصورة. ففي عام 1869، وبمناسبة الاحتفال بافتتاح قناة السويس، جاء التكليف لأحد الإيطاليين بتأسيس دار للأوبرا. وبعد أن تم بناؤها بأشهر ستة فقط طلب الخديوي من فيردي تأليف أوبرا مناسبة، ولكن المؤلف الشهير رفض أن يؤلف عملاً موسيقياً حسب الطلب. ولكن القصة حين توفرت من قبل كاتب فرنسي معني بالمصريات، ثم عرضت على "فيردي" استجاب، بعد أن عرف أن عرض الخديوي قد يذهب إلى الموسيقي الألماني "فاغنر"، منافسه الألد. ألف فيردي الأوبرا، ولكنها لم تُعرض في القاهرة، دون أن يحضر العرض، إلا عام 1871.

في مدينة "ممفيس" حرب متوقعة مع الأثيوبيين. القائد العسكري "راداميس" يؤمل النفس بالقيادة، لأن في انتصاره يملك أن يحرر المرأة المستعبدة "عايدة"، التي يحب سراً، من خدمة ابنة الفرعون "أمنيريس". لكن "أمنيريس" لا تخفي بدورها حباً عارماً لـ"راداميس". يتم هذا في الفصل الأول الذي يغني فيه البطل لحن "عايدة السماوية" الشهير. اللحن لا يخلو من صعوبة، بسبب أن فيردي لم يترك أداءه لفترة متأخرة، تكون فيها قدرة المغني قد بلغت حرارتها. "عايدة" في هذا الفصل تُركت موزعة بين حبها لـ"راداميس" وولائها لوطنها.

دُحرت أثيوبيا في الحرب. ولكي تختبر الأميرة مشاعر "عايدة" إزاء "راداميس"، أخبرتها بأنه قُتل في المعركة. ردة الفعل لم تترك للأميرة أي شك في عواطف "عايدة".

في الخفاء يتم موعد لقاء بين "عايدة" و"راداميس". وتحت ضغط أبيها الملك الأثيوبي المتخفي بين الأسرى، طلبت "عايدة" من "راداميس" أن يخبرها عن خطته لاحتلال أثيوبيا. وتحت تأثير مشاعر الحب أخبرها بالسر العسكري. المشهد يحدث تحت دراية الأميرة الفرعونية وكبير كهان المعبد، اللذين كانا يرقبان سراً مشهد الخيانة.

يحاكم "راداميس" في المعبد. الأميرة تعرض على "راداميس" العون إذا هو تخلى عن "عايدة وتزوجها هي فيرفض. يصدر الحكم في أن يُترك هو في قبو الموت، ثم يفاجأ بأن "عايدة" كانت قد تسللت إليه لتموت معه.

back to top