أمرت النيابة العامة أمس باستبعاد شبهة الجناية عن الوقائع في بلاغات الإيداعات المشبوهة التي أبلغ عنها عدد من البنوك المحلية، وبقيدها شكاوى وحفظها إدارياً.

Ad

ولعل أهم ما أشارت النيابة العامة إليه هو القول: «على ضوء مباشرتها لإجراءات التحقيق في هذه القضايا، وما أسفرت عنه من نتائج إلى أن نصوص قانون الجزاء وقانون غسل الأموال المعمول بهما حالياً في دولة الكويت لم تعد كافية في الوقت الراهن لتجريم كل الصور والوقائع التي تتعلق بالكشف عن الذمة المالية وتجريم الكسب غير المشروع، لذا فإن النيابة العامة تهيب بالمشرع العمل على تعديل قانون غسل الأموال القائم وإصدار التشريعات الجزائية المرتبطة به والمكملة له؛ اللازمة للكشف عن الذمة المالية وتجريم كل صور الكسب غير المشروع».

بمعنى أنه بعد التحقيقات تبين للنيابة العامة وجود قصور في القوانين الخاصة بتجريم الكسب غير المشروع. ولعل هذا الأمر كان متوقعاً، فالقوانين الحالية لا تفي بالتعامل مع العديد من الثغرات والملاحظات التي يمكن التسلل منها.

النيابة لا «المركزي»

اللافت في الموضوع هو أن النيابة العامة هي التي طلبت تعديل التشريعات الخاصة، بينما لم يطالب بها البنك المركزي نفسه المنوط به تطبيق القانون، رغم أنه يتعامل مع قانون مكافحة غسل الأموال منذ نحو 10 سنوات، ومن ثم فهو يعرف الثغرات التي تؤدي إلى الكسب غير المشروع بشكل فني، إلا أنه لم يطالب السلطة التنفيذية بتبني أي اقتراحات من شأنها سد الثغرات.

جرم سياسي لا جنائي

يجب أن نعترف بأن تسلم نائب أو سياسي مبالغ مالية من مسؤول في الكويت، أو حتى من دولة أخرى، أمر شنيع وغير أخلاقي، إلا أنه في المقابل غير مجرَّم قانوناً، وبالتالي يمكن، مادام أنه ليس هناك نص مباشر وواضح يجرم السياسيين والشخصيات العامة على تلقي الأموال أو الهدايا أو العطايا، ألا يعاقب أي سياسي «قبيض»، لأن الفعل هنا مدان سياسياً لا قضائياً.

وحدة التحريات

لدى بنك الكويت المركزي جهة رقابية تفتيشية تابعة تسمى وحدة التحريات المالية، من مهامها القيام بعمليات الكشف والتفتيش على البنوك والمؤسسات المالية المختلفة، إلا أن تقرير صندوق النقد الدولي عن النظام المالي الكويتي قال إن هذه الوحدة لا تملك الاستقلالية القانونية ولا الإدارية، ولا تقوم بواجبها بكفاءة، بل إن عملها غالباً ما يصطدم باختصاصات أعمال أقسام أخرى في «المركزي» كقسم الرقابة الميدانية.

كما أن موظفي وحدة التحريات المالية غير متفرغين أصلاً لها، ولا تتمتع بميزانية مستقلة، بل إنها لم تصدر منذ تأسيسها أي إحصائية أو تقرير سنوي حول أدائها، فضلاً عن عدم تقييم الوحدة لمعرفة كفاءة نظام عملها المشكوك في مطابقته للمعايير الدولية.

لكن الأهم اليوم هو المعالجة الفنية والاقتصادية للثغرات الإجرائية والقانونية، إذ لا بد من تطوير عمل وحدة التحريات المالية الكويتية، لتكون أكثر استقلالية عن عمل بنك الكويت المركزي، لتقوم بواجبها بشكل طبيعي وقادر على إحالة البلاغات المشبوهة إلى النيابة العامة، حتى إن لم تُحِل البنوك الحسابات من تلقاء نفسها.

تحركات البنوك

هناك تصنيف يطلقه «المركزي»، وهو «عملاء خطيرون»، ويشمل الأشخاص المشكوك في حركة حساباتهم أو يتوقع ان تكون عليها بعض العمليات المشبوهة، لم يقم البنك المركزي بأي خطوة تجاههم، فالإحالات للنيابة أتت من خلال البنوك نفسها، وهو ما يعكس وجود ثغرات في أداء «المركزي» منذ سنوات، خصوصاً أنه في السنوات الأخيرة دار الحديث عن حسابات نيابية وأخرى غير نيابية متورمة في البنوك ولم تحل إلى النيابة العامة خصوصاً في ظل عمليات التفتيش التي يجب أن يقوم بها «المركزي» ميدانياً على الوحدات الواقعة تحت إشرافه.

لا قواعد

تشكو البنوك أصلاً من أن «المركزي» لا يوفر للمؤسسات المشمولة برقابته من بنوك وشركات استثمارية وصيرفة تعليمات واضحة حول آلية الإبلاغ عن الحسابات المشبوهة، بمعنى أن التحويل من المؤسسة المالية إلى النيابة عن الحسابات المشبوهة يخضع لتقييم إداري من المؤسسة المالية، وليس بناء على قاعدة تفصيلية من البيانات والتعميمات الصادرة عن البنك المركزي، وبالتالي فإن موضوع الإيداعات من الأصل كان يمكن أن يطمس لولا مبادرة بنك الكويت الوطني بإحالة عدد من الحسابات إلى النيابة العامة.

واقتصر التركيز في قضية الإيداعات المليونية على البنوك دون غيرها من وحدات النظام المالي والمصرفي، رغم أن القانون رقم 35 لسنة 2002 في مكافحة عمليات غسل الأموال يشمل جانب البنوك، وشركات الاستثمار، بما تمثله من محافظ وصناديق وأموال عملاء وشركات الصيرفة، وبالتالي فإن اقتصار الكشف على البنوك وحدها لا يلبي المطلوب في الكشف عن الأموال المشبوهة في الكويت.

قوانين مكملة

لا يمكن الحديث عن النواقص الفنية دون التطرق إلى النواقص التشريعية المهمة في القانون الكويتي، مثل قانون كشف الذمة المالية وإنشاء هيئة فنية متخصصة في مكافحة الفساد وقانون الضرائب، فضلاً عن قانون «من أين لك هذا؟»، لأن هذه القوانين من شأنها أن تدعم القانون الحالي رقم 35 لسنة 2002 الخاص بمكافحة غسل الأموال، خصوصاً مع التعديلات المتوقعة.

بيئة شبهات

يجب التشديد على أن وجود بيئة لغسل الأموال في الكويت يعني مجموعة من النقاط السلبية، كخفض التصنيف الائتماني السيادي للدولة، وأي تهديد لهذا التصنيف سينعكس سلباً على الاقتصاد الكويتي وتنافسيته، إضافة إلى زعزعة ثقة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، كما أن وجود عمليات غسل أموال في الكويت يوجه ضربة قاصمة إلى خطط الدولة المعلنة بتحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي، لأن المراكز المالية المحترمة يجب أن تحظى أولاً ببيئة خالية من الشبهات المالية والمصرفية والفساد، أو مواجهتها بالآليات القانونية الخاصة بمكافحة غسل الأموال.