يعتبر الحمام في بغداد جزءاً من الحياة البغدادية منذ عصور موغلة في القدم، وكثيراً ما تحدث الذين عاصروا الفترة العباسية منذ بناء بغداد عن حماماتها، ساردين حكايات طريفة عن تلك الحمامات التي أصبحت جزءاً من الفولكلور البغدادي. أما "ألف ليلة وليلة" فقد زخرت بحكايات كانت أحداثها تمر على حمامات بغداد في ذلك الزمن، ومنذ أواخر العهد العثماني وبداية الاحتلال البريطاني لبغداد 1916 وحتى الوقت الحالي فإن الحمام البغدادي مازال جزءاً من حياة بغداد الحافلة بالمعتقدات والعادات الشعبية والحكايات، ولم يوجد بغدادي في بداية ذاك القرن لم يكن له حمامه العام الذي كان يرتاده قبل أن يصبح ذلك شيئا من الماضي. وكانت الأعراس تبدأ من الحمامات حيث يأتي العريس وبصحبته مجموعة من أصدقائه المقربين وبعد أن يتم "غسله وتشجيعه" يخرجون به إلى الزفة، وطبعاً مع اغتسال الجميع على نفقة "المعرس". وذكرت كتب التاريخ أن عشرة آلاف حمام كانت في بغداد في العصر العباسي الأول، حتى أن المؤرخ أحمد بن الحسن المنجم قال قولا ظريفا: "وجدت مساحة بغداد كلها حمامات ثم طلبت بغداد فلم أجدها من كثرة حماماتها!". أما ابن بطوطة عند تجوله في العراق قال: إن حمامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمامات. وكان في جانب الكرخ من بغداد في العشرينيات خمسة حمامات أشهرها "حمام شامي" الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر الميلادي وهو دون مستوى الأرض والنزول إليه يتم بسلم من ست درجات والحمام الثاني هو "حمام أيوب" والثالث حمام "الجسر" ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ وحمام "الملوك" الذي شيد عام 1900 ميلادية، ويقع في منطقة الكاظمية وما زال قائماً ببنيانه التراثي والذي بقي محافظاً عليه من زحف الأبنية الحديثة، وبجانبه حمام "الملوك" للنساء. والمتعارف على أغلب الحمامات أن يكون هناك حمام للنساء وآخر للرجال في ذات المحلة وغالباً ما يحملان اسماً واحداً ويداران من قبل عائلة واحدة، أما الحمام الخامس فهو حمام "المعروف". أما في جهة الرصافة فهناك من الحمامات الكثير لكون الرصافة أكبر من الكرخ بحيث تجد ما بين محلة وأخرى حماماً عاماً، ومن أشهر هذه الحمامات حمام "حيدر" وهو من الحمامات القديمة والمشهورة بقسميه الرجالي والنسائي، نسبة إلى حيدر جلبي الثري المعروف، ويذكر أنه من بقايا عشرة آلاف حمام كانت تقع في بغداد كما ذكرها اليعقوبي في القرن الثالث الهجري قبل أن يتناقص عددها ليصل في القرن السادس إلى ألفي حمام. وإضافة الى ذلك كان هناك حمام "الشورجة" وحمام "بنجة علي" وحمام "كجو" وحمام "الباشا"، وحمام "المالح"، إلا أن أشهر حمامات الرجال في بغداد كان حمام "يونس" قرب باب المعظم وحمام "القاضي" بجانب المحكمة الشرعية وهذا الحمام كان رواده من تجار بغداد، لذا كانت الخدمة فيه ممتازة كما كان فيه أيضا لكل تاجر وميسور حال "مدلكه" الخاص الذي يعرف كيف يتعامل مع زبونه "الميسور". ولم تكن الحمامات النسائية أو الرجالية مجرد مكان للاستحمام بل كانت للتعارف والفكاهة، والخطبة والزواج.
Ad