تعرض الناشط الكويتي د. طارق السويدان لانتقاد شديد من قبل كل من الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية والشيخ صالح الفوزان عضو كبار العلماء بالسعودية، بسبب آراء أدلى بها وطالب فيها بحرية الاعتقاد، وإلغاء حد الردة، وإجازة بناء الكنائس، وإطلاق حرية التعبير للناس في الاعتراض على الدولة وعلى الحاكم بل وعلى الإسلام، وقال: ما عندي مشكلة حتى الاعتراض على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (العفو)، وقال آل الشيخ إن هذه المقالات يطلقها البعض، ولا أدري إن كان إطلاقه لها نابعا عن عقل وديد أم سفه ومرض في القلب، وهل هو نابع من إنسان فقد الإيمان أو إنسان لا يدري ما يقول؟!
الاعتراض على الله تعالى إذا قصْده رد كلام الله تعالى وسنّة رسوله، وتقديم الآراء والأهواء على الكتاب والسنّة، فهذا ضلال قد يؤول بصاحبه إلى الردة، ومن جانبه قال الشيخ فوزان: إنه بلا شك الذي يستهزئ بالله ورسوله والأحكام الشرعية ما بعد هذا ردة، هذا أشد أنواع الردة، وكان آل الشيخ قد أفتى أخيراً بوجوب هدم جميع الكنائس في شبه الجزيرة العربية بحجة أنها تخضع لدين الإسلام فقط، ووجود الكنائس في بعض دول أقطار الجزيرة اعتراف بصحة هذه الأديان!انتهى هجوم الشيخين على الناشط والداعية الكويتي السويدان، الذي يعد أحد نجوم الدعاة الجدد الخمسة الأعلى دخلاً، بحسب مجلة فوربس مارس 2008، وصاحب المقولة الشهيرة "نحن ندير الدعوة كما يدير التجار أعمالهم، إنه عمل مؤسسي منظم إدارياً ودولياً"، وصاحب قناة فضائية إسلامية، وقد أخرج العشرات من المؤلفات والمنتجات التي تقدم الثقافة الإسلامية في قالب عصري يحبب الشباب والناشئة إلى الاستمتاع بالحياة والتنمية والعمل والإنتاج والإبداع.وكان السويدان قد ألقى كلمة جريئة في "ملتقى النهضة" الشبابي الثالث، الذي استضافته جمعية الخريجين الكويتية 25/ 3/ 2012، بعد أن منعته "الداخلية" ثم تراجعت عنه، وقد أثار جدلاً عريضاً بين المؤيدين والمعارضين في الساحة الإعلامية بالكويت، يرى الداعية الإسلامي أن الحرية لها الأولوية، ويجب أن تسود المجتمعات الإسلامية قبل تطبيق الشريعة عبر الإعلام، ونشر الثقافة والتعليم، مؤكداً أن الإسلام إنما ينتشر في أجواء الحرية لا المنع والمصادرة والكبت، وأن من حق الناس تشكيل أحزاب سياسية ولو على أسس "كفرية".وانتقد الذين يفكرون بعقلية أمنية ويقصون الآخر، موضحاً أن عقلية المنع والإجبار والإقصاء ليست من الإسلام، فالحرية حق مقدس والقرآن الكريم قررها وأكدها في 200 آية تحدثت عن حرية الاعتقاد بشكل مطلق، وتناولت حرية الكفار والمشركين والمنافقين في مقولاتهم ضد الإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام، وتساءل: هل تضيق الصدور عندما يعبر المسلم عن آرائه؟! ومضى الناشط الكويتي قائلاً: إذا انعدمت الحرية انعدم العطاء والإبداع، إذ لا إبداع من دون حرية، موضحاً أن شهادة "لا إله إلا الله" هو الشعار الأول للحرية، وأخذت الحماسة الداعية الكويتي ليقول إنه لا مانع لديه من وجود التبشير في الكويت، مثلما يبشر المسلمون بإسلامهم في الدول غير الإسلامية، وتساءل: هل حلال علينا وحرام عليهم، لماذا نخاف من التبشير مع أننا نقف على أرض ثابتة وعقيدة قوية؟!وفي تصوري أن هذه أول مرة أسمع داعية إسلامي يجرؤ على التصريح علناً بحق الآخر المسيحي في التبشير بدينه، في ما يتعلق بإجازة بناء الكنائس في جزيرة العرب، وعن الحديث الذي يقول "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" يرى السويدان أن كبار العلماء قالوا: المقصود ألا تكون السيادة الدينية لغير الإسلام، ولا علاقة للحديث بهدم الكنائس أو عدم بناء كنائس جديدة في الجزيرة، مشيراً إلى أن جزيرة العرب حينما مات الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تعج باليهود والنصارى، والرسول سمح لهم بالصلاة في المسجد النبوي.وأضاف: الإسلام ليس ضد الأديان الأخرى، مستغرباً اعتماد بعض الجماعات الإسلامية على حديثين أحاديين "من بدل دينه فاقتلوه" والآخر "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة"، وتساءل: هل تلغى 200 آية من القرآن الكريم من أجل هذين الحديثين الأحاديين؟ لافتاً إلى أن العلماء قالوا إن الأحاديث إذا تعارضت مع النص القرآني يجب أن تؤول بحسب النسب القرآني.وانطلاقاً من إيمانه بحقوق المواطنة المتساوية للشيعة، استنكر السويدان الدعوات المطالبة بغلق الحسينيات الشيعية- مصر الثورة ألغت حسينية تم افتتاحها في مصر أخيراً وصادرت محتوياتها- وتساءل: لماذا لا نتعامل مع الشيعة داخل الكويت أو في أي بلد آخر على أنهم مسلمون مثلنا ولهم حقوق مثل حقوقنا؟وقبل هجوم المفتي والفوزان على السويدان ظل سلفيو الكويت، عبر الصحف والمنتديات، يشنون هجوماً قاسياً عليه، ويرددون حججاً واهية مثل القول إنه متأثر بالفكر الغربي، وليس من أهل العلم ولا حتى طالب علم، ويملك فضائية تستضيف مبتدعين و"إخوان مسلمين" إلى غير ذلك من الحجج غير الموضوعية، والراصد لهذا الهجوم على السويدان يدرك أنه يأتي في سياق حملة منظمة على "الإخوان المسلمين" في المنطقة عامة، ومع ذلك لا يملك المنصف إلا أن يقرر أن الحق هو في ما ذهب إليه السويدان من تقرير القرآن الكريم لحرية الاعتقاد على إطلاقها، ومع حق أتباع الأديان في أن يكون لهم معابدهم التي يذكرون فيها اسم الله تعالى.وإحقاقاً للحق وتأكيداً لما ذهب إليه الداعية الكويتي والعلماء المحققون من قبله أوضح أمرين مهمين:1- يجب على المجتمعات الإسلامية تجاوز آراء الفقهاء القدامى رحمهم الله تعالى في مسألة قتل المرتد، لأن القرآن الكريم يقرر بنصوص صريحة وواضحة أنه لا إكراه على الهداية، وأن حرية الاعتقاد مطلقة، وهؤلاء الفقهاء ومع تقديرنا لاجتهادهم يرون الإكراه، وهذا مخالفة صريحة للقرآن الكريم الذي أطلق حرية الاعتقاد ونفى جنس الإكراه بالمطلق.كما أن دساتيرنا المعاصرة مع تقرير حرية الاعتقاد، وأنها مكفولة للجميع ومواثيق حقوق الإنسان التي صادقت عليها دولنا تلزمها بكفالة حرية الاعتقاد، لذلك لا معنى لإثارة قضية قتل المرتد تمسكاً بآراء القدماء، واستناداً إلى الحديثين الشريفين، بعد أن ثبت أن القرآن الكريم في آيات عديدة تطرق إلى موضوع ارتداد المسلم صراحة، ولم يقرر حكماً بقتله، بل توعده بالعذاب "إن الذين آمنوا، ثم كفروا، ثم آمنوا، ثم كفروا، ثم ازدادوا كفراً، لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً".بل إن القرآن الكريم تكلم عن حرية الاعتقاد كونها مطلقة "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، بل أكثر من هذا: اعتبر القرآن مسألة الإيمان، مسألة شخصية، لا دخل للدولة ولا للمجتمع ولا للجماعات والمؤسسات الدينية ولا للأفراد فيها "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"، وثبت ارتداد عدد كبير من الناس في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فما أمر بعقوبتهم، والحديثان الصحيحان بشأن قتل المرتد ليسا على إطلاقهما، كما أنهما لا يعارضان القرآن الكريم، بل هما في المسلم الذي يرتد ويلتحق بمعسكر الأعداء ويحارب المسلمين، فهذا يقتل لخيانته وعدوانه لا من أجل ارتداده، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم "المفارق للجماعة"، فهو لم يأمر بقتله من أجل تركه الدين، وإنما لأنه فارق الجماعة وانقلب عدواً.2- يجب تجاوز الآراء الفقهية المانعة من بناء الكنائس في الجزيرة، لأنها كانت موجودة وقائمة على مر التاريخ الإسلامي، وعلى امتداد قرن، والكنائس قائمة في دول مجلس التعاون دون أي استنكار من علماء المنطقة، ولا يتعارض ذلك مع حديث لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، لأن المقصود بجزيرة العرب هنا (الحجاز ومكة والمدينة بالذات) بدليل بقاء المعابد في اليمن ونجران وتيماء على مر التاريخ، كما لم ينقطع وجود أتباع الأديان السماوية في الجزيرة، كما قال الشيخ العبيكان، والمنطقة التي أوصى الرسول بإخراج المشركين منها هي المنطقة القريبة من الحرمين الشريفين لقدسيتهما، ولا معنى لإدخال منطقة بعيدة كالمنطقة الشرقية، وإذا كانت السعودية مازالت ممانعة في إجازة بناء الكنائس التزاماً برأي مفتيها فهذا أمر نتفهمه لكن لا إلزام فيه لأحد.* كاتب قطري
مقالات
مع السويدان في حرية الإيمان
21-05-2012