نجحت ديمقراطية الكويت في التغلب على كل العثرات التي ألقيت في طريقها، وتمكنت من تجاوز جميع المعوقات بأقل خسائر سياسية ممكنة، نجحت انتخابات الكويت ومرت بسلاسة وانضباطية عالية ووفق المعايير العالمية، وبشهادة الفرق الدولية والعربية والمحلية التي راقبت الانتخابات مراقبة دقيقة، وقد جرت تحت إشراف قضائي كامل.
نجح سمو أمير الكويت بحكمته وكياسته وحسن إدارته للنزاع السياسي حول قضية الصوت الواحد والأصوات الأربعة في تعامله مع المعارضين لمرسوم الصوت الواحد، وقال بيني وبينكم القضاء الكويتي الشامخ، ولن أمنعكم من حقكم في المعارضة والمقاطعة في إطار القانون، ورغم تسيير المعارضة ثلاث مسيرات تدعو الشعب الكويتي لمقاطعة الانتخابات فإن الشعب الكويتي حرص على أن يمارس حقه الدستوري، وقال كلمته، وأقبل على المشاركة بفعالية، وبنسبة وصلت إلى 40% طبقاً للتقارير الرسمية والمعلنة. وهكذا فشلت دعوات المقاطعة رغم تسامح الحكومة الشديد مع المعارضة، إذ سمحت لها بتسيير مسيرة كرامة وطن (3) في يوم الصمت الانتخابي للدعوة للمقاطعة عشية الانتخابات، ولن تسمح لدعاة المشاركة بممارسة أي نشاط دعائي. تسامحت الحكومة الكويتية كثيراً مع المعارضة التي لم تتورع عن استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للدعوة إلى المقاطعة، وقال كبيرهم صاحب المقولة المشهورة "لمثل هذا اليوم ولدتني أمي" متحدياً الحكومة: سنعيد صناديق الانتخابات فارغة، بل عمد هذا الكبير إلى نشر مقال في الغارديان البريطانية قبيل زيارة أمير الكويت لبريطانيا يشتكي فيه إلى بريطانيا من ظلم الحكومة له ظناً أنه بهذا الأسلوب يحرج حكومته أمام بريطانيا، لكن خاب سعيه في تأكيد الملكة اعتزازها بديمقراطية الكويت حين استقبلت سمو أمير الكويت. تساهلت الحكومة مع المقاطعين الذين لم يحترموا قواعد اللعبة، ولجؤوا إلى أسلوب الضرب تحت الحزام، حتى إن رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك قال "بالغنا في التنازلات فاتهمنا بالضعف"، ولكن كل حملات التشويه والتخويف والتخوين والتشكيك والترهيب لم تفلح في إقناع الشعب الكويتي بالمقاطعة، بدليل هذا الإقبال الكبير صبيحة يوم الانتخابات من قبل الناخبين رجالاً ونساء وكباراً وشباباً جاؤوا جميعاً قائلين: نعم لسمو الأمير، نعم للمشاركة، نعم للديمقراطية. انتصرت الديمقراطية وفازت الكويت بمجلس جديد ودماء جديدة، وطوت صفحة الماضي بتأزماتها وعنترياتها ومشاحناتها وصداماتها العقيمة، لقد بدأ عهد جديد وأشرق فجر جديد، المجلس اليوم حقيقة قائمة مهما شكك المعارضون وسيكون "عوناً" للحكومة للعبور إلى كويت المستقبل. القادمون الجدد آتون بنهج جديد وروح جديدة وآمال كبيرة، سيستشعرون مسؤولية جسيمة، وأمامهم أعمال وتحديات عظيمة، لن يكون المجلس الجديد عنترياً ولا انتقامياً ولا تأزمياً، ولن يلتفت إلى صدامات وتأزمات الماضي، ولن يجد وقتاً للرد على حملات التشكيك والتخوين، سيكون مجلساً متعاوناً مع الحكومة طبقاً لما نص عليه الدستور في المادة 50 (نظام الحكم يقوم على فصل السلطات مع تعاونها). إن إنجازات المجلس القادمة ستكون خير رد على المشككين أصحاب الظنون والأوهام، لقد كان تسامحاً رائعاً من الكويتي السني أن يعطي صوته للكويتي الشيعي في دائرة أغلبيتها سنية، وأن يفوز السني في دائرة أغلبيتها شيعية، وكانت قيمة حضارية عالية أن تفوز المرأة، وهي أكثر من نصف المجتمع بعد حرمان وظلم عظيم، لكن الأروع بحق أن تفوز المحامية ذكرى الرشيدي في دائرة محكومة بموروث ثقافي لا يرى أهلية المرأة للولاية العامة! إنه إنجاز عظيم بل هو تحدٍّ كبير! كيف حصل هذا؟ كيف تغير المجتمع الكويتي ليظهر معدنه الأصيل؟! لقد أظهرت هذه الانتخابات حقيقة الشعب الكويتي الحضارية، وأبرزت طبيعتة الليبرالية بعد انقشاع غشاوات التكتلات التعصبية، وزوال التحالفات المهيمنة على أصوات الناخبين، وتبدد الطروح التحريضية التي كانت تتلاعب بعواطف الناخبين، وتزيف وعيهم الجمعي. ظهر الشعب على حقيقته، وهكذا لم نسمع في هذه الانتخابات بالانتخابات الفرعية المجرمة قانوناً، ولم نر أي أثر للمال السياسي في شراء الأصوات، وهما أمران كانا ملازمين للانتخابات الماضية، والفئات المحرومة والأقليات المهمشة أنصفتها هذه الانتخابات وضمنت لها تمثيلاً عادلاً، والوجوه الشبابية التي فقدت كل أمل في تمثيل شعبها في الانتخابات السابقة بسبب هيمنة التحالفات ونفوذ الكبار وسطوتهم، وجدت في هذه الانتخابات فرصتها، ووصل 30 وجها شبابياً جديداً مستقلاً. ما كانت هذه المكاسب يمكن حصولها لولا بركات المقاطعين، ولولا نظام الصوت الواحد الذي أهداه سمو الأمير لشعبه فخنق الفرعيات، وأجهض التحالفات وأعاد الحقوق للأقليات والإرادة للأمة كما قال نبيل الفضل العائد للمجلس الجديد. اليوم انتهى عهد نواب التكتلات المهيمنة وانقضى زمن نواب الخدمات والتنفيعات والعنتريات والصوت العالي، كما انتهت أساليب سل سيف الاستجوابات إلا بحق، فلا عذر للحكومة إذا تقاعست في تنفيذ المشروعات، ولا مبرر لها في عدم تطوير التشريعات وغير مقبول منها عدم وقوفها بحزم أمام التجاوزات. لقد قال الشيخ مبارك رئيس الوزراء "الكويت على موعد مع التغيير الشامل"، والكويتيون يثقون بكلمته، وينتظرون أن يتحول القول إلى فعل ملموس، إن البرلمان الجديد أمام اختبار حقيقي وعسير اليوم، فإما أن يكون على مستوى تطلعات وآمال الجماهير التي وثقت به وأوصلت أعضاءه، وإما أن يفشل ويخيب الآمال ويكون دون الطموحات، ويتحول إلى نسخة أخرى من المجلس السابق فيكون الحساب عسيراً. كل الأنظار اليوم مسلطة على أداء المجلس الجديد تراقب وترصد تصرفات الأعضاء الجدد، فالقواعد الشعبية بالمرصاد، وكذلك المعارضة في الشارع تتعقب كل صغيرة وكبيرة لتثير الشكوك حولها. أمام المجلس تحديات ضخمة واستحقاقات كبيرة وقضايا ملمة يجب حسمها وسرعة معالجتها، وهناك أولويات يجب الانتهاء منها أهمها إقرار مرسوم قانون الذمة المالية الذي تعهد به المرشحون أمام ناخبيهم، كما تعهد به مرشحو المجلس السابق وأخلوا به. على الأعضاء أن يتعاهدوا على ميثاق شرف بأن يرتقوا بالحوار البرلماني، وينبذوا الطروح الطائفية والغوغائية، فقد سئم الكويتيون أساليب الصراخ والتهديد وملوا المشاحنات والطروح المتشنجة والتصادمات التي لم تفرز إلا مزيداً من التعطيل للمشروعات والتخلف في التشريعات، وتصاعداً في التأزم بين السلطات. يتطلع المواطنون إلى أداء نيابي يتسم بالرقي سواء بين الأعضاء أنفسهم أو في التعامل مع الحكومة في إطار من الاحترام المتبادل بين السلطتين تشريعاً ورقابة.* كاتب قطري
مقالات
مجلس الأمة الكويتي آمال وتحديات
10-12-2012