نحن، الكويتيين، وكسائر العرب شطار جداً في استيراد اختراعات ووسائل الحضارة البشرية التي خلقت رفاهية الإنسان المعاصر وحفظت حقوقه وصانت كرامته، ولكننا أسوأ شعوب الأرض في استيعابها وصحة طرق تطبيقها، بل المصيبة أننا نحوّرها لتتماشى مع أفكارنا البالية ولخدمة مصالحنا، لذلك نحن أكثر من يتكلم عن الدستور وكرامة الإنسان والمساواة بين البشر، بينما يوجد لدينا قانون لا مثيل له في العالم بمنح الجنسية الكويتية وفقاً للديانة، والتي تقتصر على المسلم فقط!
ونتشدق بالدستور الناتج عن الفكر الليبرالي، والذي ينص على عدم التفرقة بسبب الجنس أو العرق أو الدين، بينما يوجد لدينا "قانون" يمنع التعليم المشترك في الجامعات، ونحن كذلك قوم نعشق حرية السوق والتبادل التجاري بينما الحكومة تضمن للبنوك مصالحها وقراراتها المتهورة بمنح أدوات الائتمان والقروض عبر منع الموظف الحكومي من تحويل راتبه إلى بنك آخر إلا بإذن البنك الأول الذي أطبق عليه في ممارسةٍ لا يوجد لها مثيل في أعتى الدول الرأسمالية، بالإضافة إلى الاحتكارات والوكالات الحصرية المحمية من الدولة لأفراد.وضمن سلوكنا هذا، نستورد ما يخدم الأمم الأخرى لنطوعه لدمارنا محلياً، ومنه صرعة "المولات"، فمجمع المحلات التجارية والخدماتية أو "المول" مصطلح أميركي بدأ تقريباً في كليفلاند عام 1903، وازدهر في خمسينيات القرن الماضي عندما كانت الولايات المتحدة الأميركية في قمة انتعاشها الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، وتوسعت تلك الفكرة وتمددت منذ الستينيات حتى الثمانينيات من نفس القرن بهدف تصريف فائض الإنتاج الكبير في الطفرة الاقتصادية الأميركية، ولحث الأسر الأميركية على إنفاق مدخراتها المتراكمة نتيجة الانتعاش الاقتصادي في تلك الفترة لتدور عجلة الاقتصاد والتنمية عندهم، ولكن في أميركا حالياً بات توسع "المولات" وبناء الجديد منها، محدوداً جداً وشبه معدوم نتيجة للأزمات الاقتصادية، ولكونها أيضاً رمزاً للتبذير وتسويق الكماليات غير الضرورية.في أوروبا يعتبرون "المولات" رمزاً للثقافة الأميركية النهمة والتي هي بلا جذور تاريخية، كما يصفونها، بينما يفضلون تسوق الـ"ويندو شوب" في ميلانو وباريس والـ"ديبارتمنت ستورز" في لندن، وهي المتعة التسويقية الأرقى لديهم، ولذلك كانت ممانعة صحافي سويسري من أصل إيطالي لدعوتي له، منذ عدة سنوات في الكويت، إلى التجول في أحد "المولات" الكبيرة في الديرة، مفضلاً أن يرى الواجهة البحرية، قائلاً لي: "إنني شاهدت النسخة الأصلية من (المول) في هيوستن وميامي ولوس أنجلس، ولن يكون هناك جديد في النسخة الكويتية المقلدة للأصل"!ولذلك فإن الشعوب الجادة والمتحضرة، مثل سنغافورة، تتفاخر بموانئها العملاقة وخدمات "الترانزيت" المميزة التي توفرها للمنتجين عبر العالم، وكوريا الجنوبية بمصانع سامسونغ وهيونداي، وفنلندا بخلايا تصنيع وسائل الاتصالات، أما نحن فنفتخر بافتتاح "مول" نجمع فيه صناعات غيرنا الكمالية لتصريفها في مجمعات تسويقية فخمة لا تمثل نفعاً تنموياً لاقتصادنا أو وظائف لشبابنا، بل تعد مرفقاً لزيادة نهم الصرف والتبذير والتسكع لفتياننا وبناتنا في ممرات "الماركات" و"التشيحط" الشكلي الفارغ من المضمون، وهو ما يجعل "المولات" فعلاً... فخر الصناعة الكويتية.***في الخارج، وخاصة أميركا، تكون "المولات" في النهار طوال أيام الأسبوع العادية تقريباً فارغة من الرواد، ويتزايد العدد في عطلة نهاية الأسبوع والعطل الأخرى، بينما "مولات" الديرة مكتظة على مدار الساعة بزرافات من البشر تطوف فيها بلا هدف.***أفهم أن مدينة مثل دبي لها خطط مبرمجة وناجحة لتكون وجهة رئيسية للسياحة في المنطقة والعالم، ومنفتحة لتحقيق هذا الغرض، تبني مراكز ومجمعات للتسوق لخدمة الملايين الذين يزورونها، ولكنني لا أفهم أن دولة مثل الكويت مغلقة تقريباً تمنح حكومتها أراضي لبناء "مولات" تخدم عدد سكان بضعف عدد سكان الكويت وتجلب عمالة أجنبية كبيرة لإدارتها... بأي هدف؟!
أخر كلام
«المولات»... فخر الصناعة الكويتية!
22-11-2012